23 يناير 2007
أبو خلدون
الملوخية أكلة شعبية معروفة في كل الدول العربية، كانت الأكلة المفضلة لدى فراعنة مصر، وكانوا يطلقون عليها اسم ldquo;الملوكيةrdquo;، وعندما زالت دولة الفراعنة وأصبحت ldquo;الملوكيةrdquo; في متناول يد الفقراء، شعروا أنه ليس من حقهم أكل وجبات ملوكية فحولوا الإسم إلى ldquo;ملوخيةrdquo;. ولكن هذه النبتة ظلت تحتفظ بتقاليد خاصة في زراعتها وطبخها، من بينها أن يكون العمال الذين يزرعونها في الأرض أثناء موسم الزراعة من الفتيات العذراوات، وأن يبتسمن طوال عملهن في الحقل ليأتي المنتوج جيدا. وعند إضافة الثوم إليها أثناء الطبخ ينبغي أن تشهق سيدة المنزل لكي تصبح وجبتها شهية.
وفي مصر طريق يطلق عليه اسم ldquo;درب الملوخيةrdquo; وهو منسوب لأمير اسمه ldquo;ملوخيةrdquo; كان صاحب ركاب الخليفة الحاكم بأمر الله، ومن مآخذ المصريين الكبيرة على هذا الحاكم إنه أصدر في 14 محرم عام 394 هجرية قرارا بمنع أكل الملوخية، وعندما سقطت دولة الفاطميين في مصر رد الشعب على هذا القرار الجائر بجعل الملوخية ldquo;الأكلة الشعبية المفضلةrdquo;، وصاروا يطبخونها بالأرانب التي كان الفاطميون يحظرون أكلها أيضا.
والملوخية ألهبت خيال الشعراء، فهذا هو الشاعر قاسم الكستي ينظم أرجوزة طويلة يتحدث فيها عن مزايا الملوخية ويصفها بأنها ldquo;ثمرة الحكمةrdquo; ويقول: ldquo;هي الملوخية ذات الشهرة/ ومن بها المعسور يلقى يسره/ بحسنها كل النفوس ابتهجت/ وألسن الناس بها قد لهجتrdquo; ثم يتحدث عن فوائدها الصحية والطبية، وما قاله أفلاطون وأبقراط وابن سينا والعديد من الحكماء عنها، وتفضيل المصريين لها، ويقول: ldquo;يفوح منها العطر كالعروس/ محبوبة الأوصاف للنفوس/ عنها سلوا مصر وتلك الخطة/ فإنهم أدرى بتلك النقطة/ إذ عندهم لها اعتبار زائد/ وقدرها تسمو به الموائدrdquo; أما ظافر الحداد فإنه يتغزل بالملوخية بقوله: ldquo;ملوخية سبقت وقتها/ وجاءت كهيئة خضر زغب/ وقد نُقِّيت بعد تقطيفها/ بكفي لبيب خبير درب/ وقد احكمت بفراخ الحمام/ ودهن الدجاج وصفر الكبب/ إلى أن تحرر تركيبها/ كما حرر الصيرفي الذهبrdquo;.
وفي الآونة الأخيرة أشعلت الملوخية حربا باردة تهدد بالتحول إلى ساخنة بين مصر واليابان، والحرب بدأت عندما تجاهل اليابانيون كل المعطيات التاريخية وسجلوا الملوخية باعتبارها منتجاً يابانياً وضربوا عرض الحائط بحقوق ldquo;الملكية الفكرية العربيةrdquo; لهذا المنتوج.
وقصة اليابان مع الملوخية بدأت مع عالم النبات كوسوكي ايموري، من جامعة تاكو شوكو، فقد وصل هذا الرجل إلى مصر لدراسة اللغة العربية، وخلال ذلك وقع في عشق الملوخية، وأرسل بعضا منها إلى أسرته في اليابان مع رسالة توضح طريقة إعدادها. وبعد أن أنهى دراسته، حمل معه بعض البذور، وزرعها، وقام هو وزوجته بإجراء تحاليل عليها فاكتشفا إن بها مادة تقاوم الخلايا السرطانية متمثلة في مادة الكرياتين، إضافة إلى وجود جميع مركبات فيتامين ldquo;بrdquo; مما يجعلها مستحضرا مناسبا للمحافظة على نضارة البشرة، ومن هنا تم تأسيس مؤسسة للملوخية في اليابان استوردت 45 طنا من مصر، كما استوردت بذورا وزرعتها، وأقامت بعد ذلك صناعات كاملة على الملوخية، مثل الخبز بالملوخية، والمعكرونة بالملوخية، ومستحضرات التجميل، وقد أطلقوا عليها لقب ldquo;ملكة الخضراواتrdquo; وهنالك العديد من الأطباء اليابانيين يعالجون مرضاهم حاليا بأقراص ملوخية. وتقول الصحف إن الملوخية أصبحت تمثل هوسا علميا وغذائيا وعلاجيا في اليابان. والأهم من ذلك أن اليابانيين ضربوا عرض الحائط بالتاريخ والواقع والآثار، وانتهزوا انشغال الدول العربية بمعركتها السياسية وسجلوها كمنتوج ياباني منتهكين بذلك حقوق الملكية العربية لها.
ولكن.. ليعلم اليابانيون إننا لن نسكت على هذا التجاوز وسنخوض معركة حماية حقنا الحصري في الملوخية حتى آخر.. رمق.













التعليقات