23 يناير 2007
صلاح الدين حافظ
لم أفهم حتى الآن السر في حماس ما يسمى بالدول العربية المعتدلة، لاستراتيجية الرئيس الأمريكي جورج بوش الجديدة في العراق، فها هي كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، قد انتزعت موافقة مصر والأردن ودول الخليج الست ldquo;مجموعة 6+2rdquo; على هذه الاستراتيجية، قبل ساعات من مغادرتها للمنطقة سعيدة بالنجاح.
لم يكشف لنا مسؤول في هذه الدول العربية، أسباب الموافقة ومبرراتها في هذه الظروف بالذات، إلا أن يكون السبب الرئيسي هو أولا المساعدة في تعويم موقف الإدارة الأمريكية، الغاطس في دماء العراقيين من ناحية، والمساعدة ثانيا في إنجاح الحشد الأمريكي الهائل ضد إيران من ناحية ثانية.
والمؤكد أن هناك رابطة وثيقة بين الهدفين الأمريكيين، تدفع واشنطن لطلب المساعدة من حلفائها العرب، لكن ما هي المصلحة العربية المباشرة في مساعدة واشنطن في الحالتين، اللهم إلا الخوف المتنامي في المنطقة من انتقال العدوى وانتشار فيروسات الصراع الساخن إلى الدول المجاورة، ثم ما هو الثمن الذي يمكن أن نحصل عليه نتيجة ذلك؟
لقد طافت وزيرة الخارجية الأمريكية على عديد من العواصم العربية في جولتها الأسبوع الماضي، حاملة رسالة حاسمة تقول عليكم أنتم الحلفاء العرب أن تقفوا معنا في المعركة، كما عبر ذلك صراحة الرئيس بوش، ومن شدة التحذير وغلظة النذير استجابت هذه العواصم سريعا، وتتالت تصريحات وزراء الخارجية واحدا بعد الآخر، مؤيدة لاستراتيجية بوش، بينما الكل يعلم أن هذه الاستراتيجية هي النفس الأخير للاحتلال الأمريكي في العراق، بعد أن زادت حدة تورطه في المقتلة العراقية، وبعد أن سقط بوش في ورطة داخلية موازية اثر موقف معارضيه الديمقراطيين أصحاب الأغلبية في الكونجرس الرافض لهذه الاستراتيجية المهدد بشل يده.
تصورنا أن الموافقات العربية المتسارعة، قد جاءت بعد أن حصلت من الإدارة الأمريكية على مقايضة عادلة، تقضي بأن تسرع هذه الإدارة بتبني موقف جديد وسياسة حاسمة، لحل الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo; في فلسطين، وتسوية قضية احتلال الجولان السورية.
غير أن الحقائق المطروحة في الساحة حتى الآن، تدلنا على أن الإدارة الأمريكية قد أزاحت القضية الفلسطينية في جوهرها خطوات إلى الخلف، وأعطت الصراع في العراق، والمعركة الساخنة مع إيران، الأولوية المطلقة، وبالتالي فإن كل ما قيل ويقال عن جهود أمريكية لحل القضية الفلسطينية، بما في ذلك أنباء عودة رايس قريبا لعقد اجتماع بين الرئيس الفلسطيني عباس ورئيس وزراء ldquo;إسرائيلrdquo; ايهود أولمرت، إنما يدخل في نطاق تهدئة الخواطر العربية مؤقتا، على أن تركز الجهود العربية على العراق وإيران، وتحسين الموقف الأمريكي المأزوم فيهما.
هكذا نفهم الموقف، وهكذا فهمنا التسارع العربي في التأييد العلني الكامل لاستراتيجية بوش، وهكذا ندعي أن هذا التأييد غير المشروط، سوف ينعكس سلبيا على كل الأوضاع والأزمات، من أزمة العراق إلى أزمة إيران، ومن أزمة فلسطين إلى أزمة لبنان، ومن أزمة الصومال لأزمة السودان.
***
ولقد قلنا في مقال سابق إننا نرصد في الأفق سيناريوهين للصراع الدائر الآن، حول العراق وإيران المرتبطين لأسباب واضحة، سيناريو التصعيد السياسي والعسكري في العراق من ناحية، وضد إيران من ناحية أخرى، وسيناريو للتهدئة وصولا للوفاق بين أمريكا وإيران لاقتسام أرباح التهدئة وأولها المصالح العربية.
اليوم نتناول سيناريو التصعيد، الذي نراه الأرجح في ظل ما جرى على الساحة، ونستطيع أن نرصد الدلائل والمؤشرات التالية:
ترجح المصادر العسكرية والمخابراتية الروسية والأمريكية على السواء، أن تشن أمريكا ومعها ldquo;إسرائيلrdquo; حتما، ضربة ساحقة ضد المواقع والمنشآت النووية الإيرانية في الربيع القادم، ما بين أبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران ،2007 طبقا لما هو منشور بالفعل عالميا هذه الأيام.
تعتمد الولايات المتحدة هذه الأيام أيضا زيادة الحشد العسكري في المنطقة، وخصوصا في الخليج العربي والمحيط الهندي، بما في ذلك أولا إرسال حاملة طائرات ثانية إلى الخليج، وثانيا زيادة القوات الأمريكية في العراق بنحو عشرين ألف جندي إضافي، في إطار استراتيجية بوشن لكي تصل القوة الأمريكية المقاتلة إلى المعدل الذي كانت عليه عند بدء غزو العراق في عام 2003.
وفي المقابل ترفع إيران من استعداداتها العسكرية، وتزيد صفقاتها من الأسلحة المتقدمة، وأحدثها صفقة الصواريخ الروسية المتطورة التي أعلنت عنها موسكو قبل أيام، وكذلك تزيد من تدخلها في العراق، عبر حلفائها هناك بحثا عن مزيد من استنزاف القدرات العسكرية الأمريكية.
وبينما تحاول بعض الدول الأوروبية، تخفيف حدة الاحتقان الظاهر مثلما فعلت فرنسا حين أعلنت إيفاد مبعوث كبير إلى طهران، فإن الولايات المتحدة تزيد هي الأخرى حشدها للجهود السياسية ضد إيران، بإثارة مشاعر الخوف العربي خصوصا من قوة إيران العسكرية وأطماعها السياسية في الهيمنة على المنطقة، كما خلصت من خلال جولة رايس الأخيرة، وقد نجحت في الحصول على التأييد واستعدادات الحشد المطلوب.
والحقيقة الواضحة أن الولايات المتحدة قد بدأت هجوما سياسيا ودبلوماسيا ونفسيا على الدول العربية، ترافق مع التصعيد العسكري، بدأ بجولة رايس الأخيرة، وقد تبعتها جولة روبرت جيتس وزير الدفاع، مرورا بعشرات المبعوثين الجوالين الآخرين، لتعبئة المواقف العربية الحليفة والصديقة، ولكسر حدة الجموح الإيراني الذي يعبر عنه الرئيس أحمدي نجاد، من خلال تصريحاته الكلامية الملتهبة، ضد أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo;، من دون أن تحقق رسائله الهادئة إلى الدول العربية المجاورة التطمينات اللازمة.
ولذلك فإن الطرفين الأمريكي والإيراني يتسابقان هذه الأيام على استقطاب الدول العربية الفاعلة، وعلى الإيحاء لها بأن سلامتها واستقرارها السياسي والأمني، يتوقف على الانحياز هنا وعدم الانحياز هناك.
والخطورة في الأمر أن الطرفين، كما نتصور، لم ينجحا عمليا في تقديم المساعدة الحقيقية للدول العربية، قبل أن يطلبا مساعدتها أولا، ونعني أن إيران بسياستها الجديدة ldquo;الثوريةrdquo; في ظل الرئيس نجاد لم تنجح في تهدئة المخاوف العربية القديمة والجديدة، من نتائج هذه الثورة وانعكاسها على المصالح الحيوية العربية، بما في ذلك حل مشكلة الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات والتي لا تزال تحت الاحتلال الإيراني منذ عقود.
وفي نفس الوقت لم تنجح السياسة الأمريكية في الاستجابة للمطالب العربية الملحة بضرورة حل الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo; وتسوية القضية الفلسطينية تسوية عادلة، بل اندفعت بعنف في تأييد الاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo;، مثلما اندفعت بعنف أشد في غزو العراق واحتلاله وتدميره والاستمرار المتصاعد في قتل أبنائه.
***
ولذلك كان حريا بالدول العربية التي قدمت ldquo;شيكا على بياضrdquo; لأمريكا، وانحازت علانية لاستراتيجية بوش الجديدة، أن تتريث وتفكر أعمق، ليس فقط في تأييد أمريكا وبالتالي معاداة إيران، ولكن أساسا في مصالحها القومية الحيوية في الحاضر والمستقبل، ابتداء من قضية فلسطين وانتهاء بحماية النفط والمواقع الاستراتيجية، ومدى تأثير الصراع الأمريكي - الإيراني سياسيا وعسكريا واقتصاديا على أوضاعها هي؟
والتريث المقصود هنا لا يعني معاداة أمريكا لمصلحة إيران ولا محاباة أمريكا ضد إيران، ولكن يعني حساب المكسب والخسارة من جراء هذا الصراع، خصوصا ونحن ندرك أن انفجار سيناريو التصعيد العسكري الأمريكي، وصولا لضرب إيران، سيحيل المنطقة، وبالتحديد منطقة الخليج، إلى جحيم مستعر، ندفع ثمنه من حياة شعوبنا وثرواتها ونفطها ومنجزاتها التنموية والإعمارية، كما أن الوصول إلى سيناريو التهدئة والاتفاق بين إيران وأمريكا سيكون حتما على حسابنا.
ولأننا في الحالتين قد نخسر، كما خسر العراق، فإن حسابات المصالح والأهداف، وآثار الخسائر والدمار المحتملة، يجب أن تدفعنا إلى منطقة التوازن، الذي يتطلب حسابات أكثر دقة ومنطقية، لا أن تدفعنا إلى الانحياز المطلق والعلني لهذا الطرف أو ذاك.
نعرف أن هذا منطق لا يقبله كثيرون في الحكومات العربية المعنية، وخصوصا المتأمركون العرب بحجة أن أمريكا هي الأقوى، وأن الدخول تحت مظلتها العسكرية، والاحتماء بدعمها السياسي، يكفل النجاة من المخاطر الجسيمة، وان لعبة التوازن لم تعد صالحة في هذا العصر الذي يؤكد فيه الرئيس بوش مبدأه الشهير ldquo;من ليس معنا فهو ضدناrdquo;.
كلنا نعرف كذلك أن أمريكا القوة العظمى الإمبراطورية، لا تفكر فينا وفي حماية مصالحنا بهذا الشكل والتخيل، بل هي تفكر فقط في حماية مصالحها الاستراتيجية، ولذلك تجند الحلفاء وتدفع الأصدقاء للاصطفاف علنا وبحسم، في طابورها العسكري الهاجم.
ثم بعد أن تنتهي المواجهة ويهدأ الصراع، تبدأ في تصفية الحلفاء ومحاسبة الأصدقاء، وتدفع رؤوسهم إما إلى الانزواء، وإما إلى الإعدام، كما فعلت من قبل، وكما تفعل الإمبراطوريات الاستعمارية دائما، بحجة التغيير الضروري والتطوير الديمقراطي.
لقد شنقت بالأمس صدام حسين، وقد كان رئيسا حليفا لها لسنوات طوال.. ثم!!
***
** آخر الكلام: يقول ابن عربي:
قد كنتُ قبلَ اليوم أنكرُ صاحِبي
إِذا لم يكن ديني إلى دِيْنِه دانِي
التعليقات