27 يناير 2007

د. حسن مدن


نحن عرضة لأن نكون في حالات مختلفة، لا بل ومتناقضة، تتراوح بين التألق والحبور، وبين الملل والخيبة، وربما اليأس، الى الدرجة التي لا تجعلنا قادرين على تأمل تلك المسافة الفاصلة بين هذه النقلة الحادة من مزاج إلى مزاج.

أذكر أنني قرأت مرة قصة قصيرة جميلة لكاتبة مصرية شابة عنوانها : ldquo;الحالات الأخرى للبشرrdquo;، وهو عنوان يحرض على التأمل في الأمر، لكأنه يفرض علينا السؤال: ما هي الحالات الأخرى للبشر؟ وإذا كانت هي أخرى فبالقياس إلى ماذا؟ بمعنى ما هي الحالة الأولى المألوفة للناس لكي نتحدث عن حالة أو حالات أخرى غير مألوفة، أو عن وجه آخر غير مألوف؟ وهل الحالة الأخرى هي مجرد تحول للحالة الأولى، أم تراها هي الحالة الأصلية الكامنة في نفس أي منا؟

إن جواً من الصفاء قادر على أن يخلق لديك مزاجاً من الود والبهجة والفرح والود، سرعان ما يتعكر إزاء باعث على اليأس أو التشاؤم أو الخيبة. ولسوء الحظ فإن بواعث التأثير في النفس هي إجمالاً بواعث خارجية، خارجة عن إرادتنا في الأغلب، والمختلف هو فقط طريقة أو درجة استجابة كل منا لهذه البواعث. فبينما تبدو بعض النفوس بليدة أو محايدة، أو حتى قادرة بوعي وإتقان على تجنب أو تحييد هذه البواعث، فإن نفوساً أخرى كثيراً ما تكون سريعة التأثر بها. إن كلمة جارحة من شخص ما قادرة على أن تفسد مزاجك وأوقاتك وتقلب نهارك رأسا على عقب، فيما تبدو كلمة حلوة قادرة على أن تحيل حياتك إلى جنة من الفرح والنضارة.

ولسوء الحظ أيضاً فإن نفوسنا سريعة العطب، سريعة التأثر بالبواعث التي تأتينا من الخارج، خاصة إذا ما أسأنا فهمها، وخاصة أيضا إذا ما كانت مفسدة لأمزجتنا.

القصة القصيرة المشار إليها تتحدث عن تلك الحالات في القيم والسلوك وفي نمط التفكير التي تطرأ على البشر مع تقدم العمر وتغير الظروف، وهي تعكس إلى حد بعيد حجم التحولات التي شهدتها المجتمعات العربية في العقود الماضية، التي أزاحت إلى الخلف قيماً سادت يوماً، وغلبت من سطوة قيم أخرى، ولكن عنوان القصة يمكن أن يقودنا إلى التفكر في ما ينتاب البشر من حراك في الأمزجة والحالات.

يجدر بنا إزاء ذلك أن نوجه لأنفسنا النصيحة التي اعتدنا أن نوجهها للآخرين في دائرتنا الضيقة المقربة حين يشكون من الضجر، وهو أن نخلق لنفسنا أعياداً صغيرة كاسرة للمألوف، حتى لو كان المحيط من حولنا مملوءاً بالمثبطات الكبيرة الباعثة على القلق وحتى على الإحباط واليأس، فلعل في الأعياد الصغيرة التي يقيمها الإنسان لنفسه ما يتلاءم مع التوق الفطري والسريرة التي جبلنا عليها في أن نحيا، وفي أن نجدد حياتنا كلما وجدنا الى ذلك سبيلا، بشكل يحررنا من الضجر بما هو مألوف ومكرور واعتيادي، ويأخذ بأيدينا نحو عوالم أخرى مغايرة يمكن لها أن تكون محتملة أكثر.