ألوف بن - الديلي ستار
كانت الزيارة الأخيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى القدس ورام الله مختلفة عن رحلاتها الثماني السابقة لكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية من حيث هدفها الراهن. هذه المرة، اعلنت رايس عن مشاركة اميركية اعمق في عملية صنع السلام الاسرائيلية الفلسطينية، وهو ما يشكل انحيازاً ملحوظاً عن سياسة كف اليد السابقة لادارة بوش. والى ذلك، بدت وزيرة الخارجية مستعدة لاسكتشاف مبادرات جديدة في دبلوماسية الشرق الاوسط، حيث أخبرت محاوريها بانها تعتزم العودة كل ستة اسابيع لرعاية المباحثات بين رئيس الوزراء ايهود اولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وفي ختام جولتها، تحدثت الوزيرة عن quot;تطور ايجابي جداquot; في استهلال مباحثات غير رسمية بين عباس واولميرت، وتعهدت مرة اخرى quot;ببذل قصارى جهودي في محاولة المساعدة في تأسيس دولة فلسطينيةquot;.
من حيث القيمة الظاهرية، فإن ثمة اسباباً ضاغطة تكمن وراء التغير المعلن في السياسة الاميركية، كما وراء تفاؤل رايس. فأولا وقبل كل شيء، نرى ان العنف الاسرائيلي الفلسطيني يمر حاليا في ادنى مستوياته منذ ايلول -سبتمبر 2000. كما ان وقف اطلاق النار المهتز في غزة يبدو متماسكاً بعض الشيء بالرغم من استمرار اطلاق صواريخ القسام على اسرائيل. ثانيا: نرى أن اولمرت وعباس ملتزمان علنا بالتفاوض من اجل التوصل الى حل الدولتين وانهما يتقاسمان كيمياء شخصية افضل من اسلافهما.
ثالثا: ان هناك ضغطا محليا متناميا على رايس وادارة بوش من الاعلام ومن الديمقراطيين المسؤولين الآن عن الكونغرس، كما ومن الاستنتاجات التي عرضها تقرير مجموعة دراسة العراق- لتحريك آليات التقدم نحو عملية السلام.
ورابعا: أن رص صف الانظمة العربية المعتدلة في مواجهة التهديد الإيراني المقيم، يتطلب quot;فعل شيءquot; إزاء الموضوع الفلسطيني، وهو متطلب تفهمه اسرائيل. ومدركة لهذه التطورات، فان رايس تقول ان الظروف قد باتت الآن افضل لصنع السلام مما كانت عليه خلال قمة كامب ديفيد الفاشلة في عام 2000.
ولأن معنويات رايس لا تكاد تصمد، فان ثمة القليل مما تستطيع ان تأمل في إنجازه أبعد من المساعدة في تحسين المناخ الاقليمي وتمهيد الارضية لإجراء مفاوضات مستقبليه. وبينما تظل هذه الأهداف مهمة في حد ذاتها وبنفسها، فان أبعد ما تكون عن ان تمثل محاولة جدية لحل النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني.
لعل العقبة الكأداء الرئيسة التي تقف امام اجراء مفاوضات جادة هي الضعف السياسي الذي تعاني منه الاطراف. فاولمرت هو الزعيم الاقل شعبية في اسرائيل في التاريخ الحديث، وهو يواجه في الغضون انتقادات حادة بسبب الحماقات التي تم ارتكابها في حرب لبنان في تموز -يوليو الماضي، إضافة إلى التحقيقات الجنائية في الفساد المزعوم. لكن ائتلافه المستقر مع اليميني افيغدور ليبرمان يحافظ على بقاء اولمرت في المنصب، بينما تقيد يديه في المقابل فيما يتعلق بالفلسطينيين. أما سلطة عباس، فقد وهنت بشكل كارثي بسبب نجاح حركة حماس في انتخابات السنة الماضية. وتبعا لذلك، دخلت فتح وحماس في صراع عنيف على السلطة، فيما اصبح زعيم حماس المنفي خالد مشعل الحكم الفصل في قضايا السلطة الفلسطينية.
نتيجة لذلك، فان من غير الواقعي تصور ان يقدم أي من اولمرت او عباس على تقديم التنازلات الضرورية للتوصل الى اتفاقية، ناهيك عن القدرة على وضع أي اتفاق موضع التنفيذ. ويتبقى عليهما مع ذلك التوصل الى صفقة لتبادل الاسرى، والتي ستنتظر موافقة حماس.
والى ذلك، ورغم التصريحات المتبادلة التي تدعم حل الدولتين، فان لدى كلا الجانبين تفسيرات مختلفة جدا حيال المفهوم. فاقتراح اولمرت بانسحاب الى حد جدار الفصل وارجاء المباحثات حول مستقبل القدس وموضوع اللاجئين يظل بعيداً كثيرا عن الحد الأدنى المطلوب لدى الفلسطينيين. ففي الغضون، يعارض عباس اي صفقات مؤقتة ويصر على التفاوض على قضايا الوضع النهائي، وهو طرح يعتبر أحد المحرمات لدى الإسرائليين الذين يخشون من ملامسة القضايا الأكثر حساسية.
هابطة على سلم الخطابة السياسية، اوضحت رايس ان التفاوض على الوضع النهائي حاليا هو أمر غير واقعي. وبدلا من ذلك، ركزت على ازاحة عقبة اجرائية، وهي اصرار اسرائيل على التمسك بمسلسل خارطة الطريق، والذي يفسر على انه تعليق للمفاوضات حتى يقضي الفلسطينيون على الارهاب. وقد وضعت رايس ووزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني خطة لفصل المباحثات عن التنفيذ. فلندع الجانبين يضعان الخطوط العامة للدولة الفلسطينية المستقبلية، بينما يوقفان التنفيذ ليتم طبقا لمراحل خارطة الطريق. وقالت رايس انها سوقت الفكرة على اولميرت المتردد، والذي كان قد رفضها سابقا كأساس لقمة ثلاثية تجمعه ورايس وعباس في الشهر المقبل.
بالنسبة للاسرائيليين العاديين، تبدو هذه الصيغ أشبه بالاحجية الدبلوماسية؛ شيء لجعل الدبلوماسيين ووزراء الخارجية يتلهون بالحديث عنه، ولكن مع قليل من النفوذ او الصلة بالاحداث التي تجري على الارض. وطالما لم تكن هناك ردة فعل عسكرية او سياسية تحظى بالصدقية على نيران الصواريخ المنطلقة من غزة، فان انسحابا عميقا من الضفة الغربية (وهو الشرط المسبق النهائي لأي تسوية سلمية طويلة الامد) لن يكون مدرجاً على بساط البحث.
إن على اولمرت وعباس ان يتعافيا من مآزقهما السياسية اذا ما كانا جادين في التحرك الى الامام. ومع ذلك، فان جهد رايس الجديد قد يساعدهما في تمهيد الارضية لإجراء مفاوضات مستقبلية وتطبيق اجراءات لبناء الثقة. والاهم من كل شيء هو الحيلولة دون حدوث أي تصعيد آخر. فتحت اشراف اميركي، كان من الاسهل على اولمرت وقف النار الاسرائيلية في غزة وتحويل عوائد الضرائب المحتجزة الى عباس والغاء مشروع بناء مستوطنة وراء حاجز الفصل. كما أن المساعدة الاميركية ستكون أداة فاعلة للإبقاء على عباس عائماً دون أن يغرق.
على ضوء الواقع المظلم الذي اكتنف السنوات الست السابقة، فان هذه التطورات الصغيرة تظل افضل من الجلوس بجمود في واشنطن واعتناق اللامبالاة إزاء عملية السلام.
التعليقات