الجمعة 16 فبراير 2007
د. حسن مدن
قتل كُليب أخو المهلهل، فأعلن هذا الأخير حرباً على قاتلي أخيه، واستمرت الحرب سنوات طوالاً، حتى شعر العرب بأن الفتنة أخذت مداها، فجاءوا يطلبون منه الصفح بعدما مات الكثيرون وشاع الخراب في الديار. قالوا للمهلهل: نطلب منك نهاية الحرب ولك ما تريد، فإن أردت الإمارة والولاية فأنت أميرنا، وإن أردت الدية فلك أن تسمي المبلغ الذي تريد، ونحن لك طائعون، فأجاب المهلهل :أريد أخي كليباً حياً، وقالوا له إن كليباً قد مات، والطلب مستحيل، قال: فلتستمر الحرب إذاً.
مثل حرب المهلهل من أجل استعادة أخيه الميت حياً كمثل الكثير من النزاعات القائمة في أكثر من بلد عربي. إنها حروب ونزاعات عبثية لا طائل وراءها، لا تفعل أكثر من إعادة إنتاج دورة الموت المجاني الذي يحصد رؤوس المئات والآلاف في ما لا طائل وراءه، أو تستمر في تأزيم المواقف السياسية وشل الحياة الاعتيادية للناس في أن يذهبوا إلى أعمالهم ويذهب أبناؤهم وبناتهم إلى مدارسهم وجامعاتهم ويتنقلون بحرية بين مكان وآخر من دون أن توقفهم الدوريات أو الحواجز، حين تعجز الأطراف المتنازعة عن حسم مصير هذه الحروب أو النزاعات والتوترات، ويستعصي على هذا الطرف أو ذاك إملاء شروطه على الطرف الآخر بحكم التوازن الدقيق لنسبة القوى بين هذه الأطراف، فلا تفعل سوى إطالة أمد هذه الحروب أو النزاعات دونما آفاق قريبة لنهاياتها، لأن هذه الأطراف، سواء على شكل حكومات أو على شكل قوى معارضة، أو حتى على شكل جماعات سياسية واجتماعية متقابلة، لا تريد أن تتعلم فن التنازلات المتبادلة التي بموجبها يتخلى كل طرف عن جزء من شروطه وينزل سقف مطالبه ويخطو خطوات ملموسة لملاقاة الطرف الآخر في منتصف الطريق، وتحقيق السلم الأهلي ووقف دورة العنف التي تحصد الأبرياء وتدمر الطاقات، والتوجه نحو بذل الجهود في سبيل التنمية والتقدم، ونزع عوامل الاحتقان والتوتر.
شرط مثل هذا التوجه هو امتلاك الشجاعة على الاعتراف بالآخر، بالرأي المعارض، وحقه في الحضور والتمثيل السياسي والمشاركة، ونبذ النهج القائم على الإقصاء القسري لهذا الرأي. هذا على صعيد الحكومات، أما على صعيد المعارضات التي تنخرط في حروب دامية أو نزاعات مفتوحة أو معارك سياسية غير محسوبة، تجعل بلدانها مكشوفة أمام التدخلات الخارجية، وتغري القوى الإقليمية في الجوار المحيط بالبلدان المعنية بالحصول على أحصنة طروادة هنا وهناك، للتأثير في مجريات الأحداث وإدامة المحن داخل هذه البلدان، مما يسهل اختراقها وتفكيك بناها وهدر مواردها وطاقاتها، فإنها، أي قوى المعارضة، معنية بمغادرة الخطاب المشابه لخطاب المهلهل الذي يضع شروطاً تعجيزية غير ممكنة التحقيق، خاصة حين يقترن هذا الخطاب بشعارات لم تزكها الحياة.
كُليب لن يعود حياً حتى لو دامت الحروب عقوداً أو حتى قروناً، الأجدى هو تعلم فن العيش المشترك المؤسس على التسامح، عل هذه الشعوب المنكوبة تعطي نفسها فسحاً لأن تبني أوطانها، وتؤمن لأجيالها القادمة عيشاً أفضل من هذا العيش الذي طفح الكيل به.
التعليقات