صالح القلاب

ليس جديداً أن تشاغب روسيا ومعها الصين وفرنسا ، وبحدود معينة ألمانيا في عهد المستشار السابق ، على عالم القطب الواحد وإنفراد الولايات المتحدة بهذا العالم والسعي لصياغته وفقاً للمصالح الأميركية وعلى غرار ما كانت تفعله الإمبراطورية الرومانية في عالم ذلك الأمس البعيد عندما كان السلام سلامها والحرب حربها ويومها لم تكن أميركا قد وضعت على خريطة الكرة الأرضية بعد.

كل ما قاله فلاديمير بوتين، عندما كان في طريقه الى بوابة هذه المنطقة في زيارته الأخيرة، التي شملت المملكة العربية السعودية وقطر والمملكة الأردنية الهاشمية، كان قد قاله سابقاً وإن بصيغة أقل حدة وبلهجة ليست فيها نغمة الحرب الباردة وعلى ما كان عليه الوضع عندما كان الإتحاد السوفياتي (الراحل) خصماً عنيداً للولايات المتحدة.

وهنا فإنه لا نقاش على الإطلاق في أن عالماً يقف على قدم واحدة، هي قدم الولايات المتحدة، يعتبر كارثة محققة وهي كارثة تتجسد يومياً في كل هذا الذي يجري في مناطق كثيرة من هذا العالم.. في الشرق الأوسط وفي آسيا وفي إفريقيا وفي أميركا اللاتينية وحتى في أوروبا التي غدت، رغم مشاغبات فرنسا وإعتراضات ألمانيا الخجولة، حديقة أمامية للبيت الأبيض وغدت حدودها تزحف يومياً نحو أبواب روسيا التي تحاول في عهد بوتين أن تستعيد مكانتها القيصرية السابقة.

لكن المشكلة أن بوتين يقف في الميدان وحده وأن السيوف التي يهزها في وجه أميركا سيوفاً خشبية فالصين تنشغل بالبناء الإقتصادي وفقاً لتوجهات دينغ سياو بينغ وهي بحاجة على الأقل الى عقد من الزمن لتدخل ميدان المواجهة الساخنة مع الأميركيين وفرنسا ليست مؤهلة أساساً لما هو أكثر من المناكدات الخفيفة أما باقي ما تبقى حتى بما في ذلك الهند فإنه ينطبق عليه القول: أبشر بطول سلامة يا مربع !!.

إن كل رغبة بحاجة الى الإرادة وأن كل إرادة بحاجة الى مقدرة والحقيقة أن رغبة بوتين التي عبر عنها في تصريحاته الأخيرة، فإن كانت لا تنقصها الإرادة، فهي تنقصها المقدرة فالنفوذ الأميركي الكاسح إجتاح خلال الفترة منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي وحتى الآن كل الدول التي تعتبر أجراماً صغيرة لاتزال تدور حول موسكو.. ثم أن ر وسيا نفسها بأوضاعها الحالية غير قادرة على الدخول في حرب باردة جديدة وعلى حرب نجومٍ أخرى وعلى مواجهة كونية.

هناك نوايا وهناك رغبات في وضع حدٍ لإنفراد الولايات المتحدة بالعالم وإستفرادها به لكن كل هذه النوايا وكل هذه الرغبات في ظل موازين القوى القائمة حالياً على مستوى الكرة الأرضية كلها هي مجرد أحلام يقظة ومجرد أمنيات يحتاج تحقيقها الى ما هو أكثر من خرط القتاد وأكثر من نقف الحنظل.

لم تصل الولايات المتحدة الى موقع الإنفراد بالعالم فجأة وفي قفزة واحدة فهي بقيت منذ الحرب العالمية الأولى، وقبلها بقليل، ترتب أوضاع هذا العالم على نحو يحقق لها هذه الغاية وكانت الضربة القاضية هي جر الإتحاد السوفياتي الى ما يسمى حرب النجوم ولذلك فإن إزاحتها عن هذا الموقع، موقع القطب الواحد، يحتاج الى جهد سنوات طويلة ستكتوي خلالها البشرية حتماً بالمزيد من الدمار والحروب والمجاعات والحروب الأهلية.