الثلاثاء 20 فبراير 2007
خيري منصور
بعملية حسابية بسيطة لا تصعب على طفل في المرحلة الابتدائية، أحصى جدعون ليفي عدد الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا في السنوات السبع الأخيرة، فقد بلغ عددهم ثمانمائة وخمسة عشر طفلاً أي بمعدل طفل في كل أسبوع! لكن الذاكرة العربية الرملية لم تعد تؤتمن على دم الأطفال العرب، إذ سرعان ما يتسربون منها.
يقول جدعون ليفي إن الدولة اليهودية أقامت الدنيا ولم تقعدها على قتل طفلة في الثالثة عشرة من عمرها هي تاير رادة في ldquo;كتسرينrdquo;. لكن الطفلة الفلسطينية عبير وشقيقاتها من الجيل ذاته لا قيمة لدمائهن حسب المعايير الأخلاقية التي يبشر بها الحاخام والجنرال.
إن استشهاد طفل فلسطيني كل أسبوع ليس مجرد عطلة دموية في تقاويمنا الصماء التي تحولت إلى أيام رتيبة تتناسل من بعضها وتجعل اليوم أشبه بالبارحة، بل هو البارحة بكل تفاصيلها، أما الثعالب على اختلاف ألوان الفراء فهي ذاتها لأن المراوغة أيضاً تتكرر برتابة مضجرة.
هنا، في واحدة من مقالات كتبت بالعبرية نجد شاهداً من أهله يجهر بالحقيقة، فنشعر بكثير من الخجل لأننا لم نعد نتقن عدّ قتلانا، وقد استغرقتنا شجون صغرى، وتلك بالطبع حكاية مريرة أخرى مليئة بالجراح ولا وقت الآن لنبشها.
إن للدم تسعيرة أيضاً في البورصات العسكرية، وثمة دم بالعملة المحلية ودعم آخر بالعملة الصعبة، ولم تكن المقايضة العرجاء التي قبل بها العرب لمئات العرب بجثة عسكري يهودي واحد إلا العلامة الفارقة في هذه التسعيرة.
يموت العربي سواء كان فلسطينياً أو عراقياً أو لبنانياً بلا ضجيج أو استنكار، لأنه حسب الفقه العبري ولد ليموت، وهو زائد عن الحاجة، لأن العرب يتكاثرون بطريقة تفشل معها المالتوسية، لذلك اقترح أعداء العرب أسلوباً جديداً وإسبارطياً لتحديد النسل هو قتل الأطفال، واصطيادهم من أعناقهم في الأزقة وباحات المدارس.
عندما قتلت ldquo;تايرrdquo; في ldquo;كتسرينrdquo;، صورت الميديا الصهيونية وتوابعها العرب وكأنهم أبادوا أطفال العالم جميعاً، لكن مئات الأطفال العرب يقتلون وتمتزج دماؤهم بالحليب الذي يرضعونه في صمت، ويقابل هذا القتل بلا مبالاة تدمغ العالم كله بالتواطؤ، لأن من يصمتون عن هذه الإبادة المنظمة هم شركاء في القتل.
إن الصحافي جدعون ليفي مراسل مختص في حقوق الإنسان وما كتبه في ldquo;هآرتسrdquo; مؤخراً عن إحصائية قتل الأطفال الفلسطينيين يطرح ألف إشارة تعجب ومليون إشارة استفهام.
لماذا ننسى أولادنا بهذه السرعة القياسية؟ وإلى أية شرائع ودساتير وأعراف نحتكم ونحن نهيل المزيد من التراب على قبور صغيرة بحجم المهود؟
نعرف كما يعرف جدعون، وغيره أن المرأة الفلسطينية تستجيب للتحدي حسب نظرية أرنولد توينبي الشهيرة عضوياً، وتلد ثلاثة أضعاف المرأة اليهودية، لكن ليس معنى هذا هو أن فلسطين تعاني من فائض الأحياء والأطفال، وأن استشهاد طفل كل أسبوع هو مجرد عرض جانبي لحرب طويلة الأمد.
إن عدم اكتراث العالم بما يجري لشعب أعزل ومحاصر في عقر وطنه، هو فضيحة أخلاقية، وإسهام غير مباشر في توليد المزيد من العنف، فالفلسطيني ألقي في اليم.. وهو من دم لا من ماء وقيل له إياك إياك أن تبتل.
منطق أخرق، لكنه مسلح، وثقافة إسبارطية منزوعة الضمير.
طفل فلسطيني في كل أسبوع، هو الصيد الثمين لمن راهنوا منذ المستوطنة الأولى على إبادة شعب، وزعموا أن أرضه كانت مهجورة وبلا سكان أصليين. إن من يقتلون طفلاً في الأسبوع، قد يقتلون سبعة أطفال يومياً، إذا استمر الصمت المتواطئ، واستمر لعاب سمكة القرش الصهيونية بالسيلان كلما شمت رائحة دمنا.
التعليقات