محمد صادق الحسيني
لا أحد يؤكد أن ثمة قراراً في شن الحرب ضد إيران قد اتخذ في الغرب بما فيها العاصمة الأكثر خصومة مع طهران، لكن الاتجاه القوي باتجاه العمل لتشديد العقوبات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية على طهران بات مؤكداً.
الاتحاد الأوروبي وهو الوسيط الأكثر قبولاً من طرفي المواجهة السياسية الحادة حول الملف النووي لا يزال يرغب في التوصل إلى حل بين العاصمتين الأكثر تخاصماً عبر الحوار وعلى طاولة من المفاوضات المتعددة والموسعة.
روسيا والصين من جهتهما لا ترغبان بتصعيد الموقف مع طهران وإن كانتا ترغبان في الظهور وكأنهما محايدتان وتقفان في نقطة الوسط بين الدولتين المتخاصمتين، لكنهما ضد أي سيناريو يقود إلى الحرب وتكرار المشهد العراقي والأمر يتعلق باستراتيجيتهما الدولية وأمنهما القومي والسباق والتنافس على أسواق الطاقة ومنابعها أكثر من أي أمر آخر.
طهران من جهتها تبدو مصممة أكثر من أي وقت مضى على خوض laquo;المواجهةraquo; مع واشنطن على كافة الأصعدة دون أن يعني ذلك مطلقاً أنها تدفع باتجاه التصادم العسكري، بل على العكس تماماً فإن استراتيجيتها لا تزال laquo;التفلتraquo; من الوقوع في أي خطأ أو laquo;فخraquo; سياسي أو دبلوماسي أو أمني يقود إلى المواجهة العسكرية لا سيما الشاملة منها!
وحدها إسرائيل المتحمسة والمتصيدة للفرصة المناسبة والتي تعمل بجد واجتهاد لاستفزاز إيران أو حلفائها من جهة وتحريض المجتمع الدولي ضد طهران لدفعه باتجاه الحرب على إيران أو توجيه ضربة عسكرية من الوزن الثقيل ضد منشآتها النووية على أقل تقدير!
ومن هذا الباب تدخل باقي الملفات الساخنة في العالمين العربي والإسلامي في صلب الحلول والمقترحات والمفاوضات حول الملف النووي الإيراني، فالدبلوماسية الأميركية باتت الأكثر laquo;مكوكيةraquo; في التحرك في منطقتنا وهي تطرح المشاريع تلو المشاريع والمخطط تلو المخطط والمقولة تلو الأخرى وعينها على إيران أكثر من أي ملف آخر، وهي وإسرائيل صاحبة مشروع ربط كل ملفات المنطقة الساخنة بالملف الإيراني وما يسمى بالمحور السوري ـ الإيراني ـ اللبناني ـ الفلسطيني وليس الإيرانيين ولا السوريين ولا اللبنانيين ولا الفلسطينيين laquo;الغلابةraquo; بالطبع، وإليكم الدليل:
لقد أظهر الفلسطينيون أكثر من مرة رغبتهم في التفاهم الداخلي وبالاتفاق مع أطراف عربية من كل الأطياف laquo;المعتدلةraquo; وlaquo;الراديكاليةraquo; لإيجاد حل ومخرج لموضوع laquo;حكومة الأمر الواقعraquo; الفلسطينية الوطنية الائتلافية وقد توج ذلك الجهد باتفاق مكة الأخير وبنجاح منقطع النظير، ومع ذلك تصر واشنطن ومعها ممن صادرت قراراتهم من أعضاء الرباعية بأن يذعن الفلسطينيون للإملاءات الإسرائيلية قبل أن يفك الحصار عنهم، وبعد أن يفكوا تحالفهم مع كل من دمشق وطهران كما يمرر إليهم من تحت الطاولة!!
اللبنانيون من جهتهم قدموا عشرات الصيغ الكفيلة بنزع فتيل الانفجار والفتن الداخلية والقبول بالحد الأدنى من المشاركة في حكومة اتحاد وطني تسهل عملية إعادة لبنان إلى دائرة السلم الأهلي وإعادة الإعمار والبناء والانخراط في العمل العربي المشترك من أجل استقرار الأمن الإقليمي والدولي.
ومع ذلك جوبهوا في كل مرة بتدخل أميركي وغير أميركي سافر عطل ولا يزال المبادرات المحلية والعربية والإسلامية، وهم يصرون على ربط حل الملف اللبناني بتصفية حساباتهم السياسية مع دمشق وطهران أولاً وقبل أي شيء آخر وهو ما يتم تداوله تحت طاولة المفاوضات المتعددة وبعيداً عن ضجيج الإعلام بشكل واضح وملموس وقاطع!
أما القضية العراقية laquo;المصيبةraquo; كما قال أحد الزعماء العرب في تعليق معبر له مؤخراً وهو يصف تشابكات وتعقيدات هذا الملف الداخلية والإقليمية والدولية وما يحيط بها من لغط متعمد ومقصود وتشويه منظم، فإن قيادة الاحتلال laquo;دأبتraquo; ومنذ اليوم الأول على ربط أي تقدم أو فشل في مهمتها المفروضة على الشعب العراقي فرضاً بمدى تدخل دول الجوار وسوريا وإيران.
في الطليعة طبعاً بالرغم من كل ما عملته في داخل العراق منذ التخطيط للغزو إلى مئات بل آلاف الأخطاء التي ارتكبتها دخل العراق لم تستشر أحداً منهم فيها، فيما تحاول اليوم تحميلهم وزر كل أخطائها تلك زوراً وبهتاناً، لا بل إنها تصرّح ومن دون أية مواربة بأن شرط نجاحها بات رهناً بوقف التدخل والنفوذ الإيراني، وإن فشلها سيعني فشل كل العرب وحلف الأطلسي والمجتمع الدولي!
لا بل إنها لم تعد تتردد في تمرير مقترحات من تحت الطاولة وعبر الرسل والمندوبين المتعددين مقترحات laquo;مقايضةraquo; بين ملفات المنطقة المتورطة فيها وبين التوصل إلى حل ما حول الملف النووي.
والقضية الأهم بالنسبة لها بالطبع أي laquo;لواشنطنraquo; هي ضمان الحصول على تعهد إيراني بالاعتراف بإسرائيل والامتناع عن وضع ما تسميه بlaquo;العصيraquo; في دواليب الحل أو التسوية السياسية لمسألة laquo;الشرق الأوسطraquo; أي القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي!
إنها مرة أخرى إما سذاجة متناهية أو استحمار عقول الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي، وهذا هو الأكثر احتمالاً! ولكن لماذا كل هذا التحمل على إيران وكل هذا laquo;التذاكيraquo; مع الأطراف الدولية ومحاولات الاستحمار المتعمدة والمقصودة والمنظمة للرأي العام في بلادنا؟ الجواب واضح لمن يملك الذاكرة النشيطة ولمن يأخذ العبر والدروس من التاريخ ولمن يؤمن بالحديث الشريف laquo;لا يلدغ المؤمن من جحر مرتينraquo;!
لقد فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير والموسع والجديد الذي حمل إلى المنطقة مع بداية غزو أفغانستان والعراق، وبعد تجربة لبنان المرة والمريرة بات أمر حماية أمن إسرائيل رهناً بمحاربة إيران وكسر شوكتها من خلال جولة جديدة من حروب السيطرة على الموارد (الطاقة والمياه و..) والتحكم بمصادرها ومنابعها تحت النفوذ والمظلة الإسرائيلية!
المشكلة كل المشكلة في هذا المعسكر laquo;الأميركيraquo; والقاعدة الاستراتيجية المتقدمة للأميركيين والتي اسمها laquo;إسرائيلraquo; والتي بدأت مظاهر الوهن والتفكك تبدو عليها بوضوح ولم يعد بالإمكان الاعتماد عليها في المنعطفات والمهمات الاستراتيجية الكبرى بعد تجربة حرب ال33 يوماً ضد لبنان، وما الملف النووي الإيراني أو laquo;المحكمة الدوليةraquo; إلا laquo;شماعتانraquo; محملتان بأطنان من الأكاذيب وقصص الخداع والتضليل المنظمة لخدمة ذلك الغرض laquo;الجليلraquo; لواشنطن وتل أبيب.
وإلا لماذا كل هذه المعايير المزدوجة في التعامل بين ملف كوريا الشمالية النووي وملف إيراني النووي، كما يقول المفتش بليكس في آخر تصريحات له: laquo;فكوريا كانت تملك كميات كبيرة من البلوتونيوم وجلستم معها للمفاوضات. وامتلكت القنبلة النووية وعاودتم التفاوض معها، فيما إيران بعيدة جداً عن كل هذا، وتضعون لها شرط وقف التخصيب للأغراض العلمية المخففة، وهي لم تطلب منكم بعد ضمانات أمنية، كما فعلت ولا تزال كوريا، وبعيدة كل البعد عن السلاح النوويraquo;.
والإجابة واضحة، إنها إيران والعالم العربي، حيث مكامن ومصادر ومنابع الطاقة والمياه والمضائق وطرق التجارة والمواصلات وأمن إسرائيل الذي تتوقف عند بواباته كل القيم والمقولات.
- آخر تحديث :
التعليقات