خيرالله خيرالله
مضحك ومبك في آن الوضع في قطاع غزة الذي يتعرض لحصار إسرائيلي هو تعبير عن إرهاب الدولة. لم يكن مستغربا لجوء إسرائيل إلى التدابير التي اتخذتها بما في ذلك قطع التيار الكهربائي عن معظم أنحاء القطاع ثم أعادته على نحو متقطع لاستيعاب الضغوط الدولية لا أكثر. من يستغرب ما يحصل الآن في غزة لا يعرف إسرائيل، أو لا يريد أن يعرف ما هي هذه الدولة. ما تشهده غزة، يعكس الطبيعة الحقيقية لإسرائيل التي لن تفوت أي فرصة، خصوصا في مرحلة ما بعد حرب صيف العام 2006 في لبنان، لتأكيد أنها لا تزال تمتلك القدرة على الردع.
عجزت إسرائيل في تلك الحرب التي خاضتها مع quot;حزب اللهquot; تحقيق انتصار كاسح على تلك الميليشيا التي هي جزء لا يتجزأ من quot;الحرس الثوريquot; الإيراني. اكتفت بتدمير جزء من البنية التحتية للبنان، أو على الأصح بإعادة البلد ثلاثين عاما إلى خلف متيحة بذلك المجال لـquot;حزب اللهquot; وحليفه السوري لرفع شارة النصر. نعم كان الانتصار على لبنان ساحقا ماحقا، ما حقق رغبات quot;حزب اللهquot; والنظام السوري. ربما كان ذلك ما أرادته إسرائيل التي اكتفت إلى الآن باعتبار القرار 1701 تعويضا عن الانتصار العسكري، أي أن حرب الصيف حققت جزءا من أهدافها. تأكد بعد أيام من انتهاء الحرب أن quot;حزب اللهquot; يوجه سلاحه إلى اللبنانيين وأن الهدف الحقيقي والأصلي للسلاح أن يكون لبنان رهينة لدى المحور الإيراني ـ السوري، على غرار ما آلت إليه حال الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان منذ وضع الحزب يده عليها... في النهاية، أين مشكلة إسرائيل عندما يكون quot;حزب اللهquot; المذهبي مسيطرا على جزء من القرار اللبناني وحتى حين يصير البلد في عهدة الحزب؟ أوليس طموحها أن يعترف بها العالم quot;دولة يهوديةquot;؟
عندما يدرك العرب عموما هذه المعادلة الخاصة بفلسطين ولبنان، سيكون في استطاعتهم ردع إسرائيل بطريقة ناجحة والعمل على انقاذ لبنان بالمحافظة على مؤسساته على رأسها مؤسسة رئاسة الجمهورية. من دون استيعاب المعادلة التي تحتم عليهم اتخاذ موقف واضح وحاسم من quot;حماسquot; وquot;حزب اللهquot; والنظام السوري والسياسة الإيرانية، لا أمل في استقامة الوضع العربي كله.
لعل أقل ما يفترض في مجلس الجامعة عمله، أيا يكن مستوى انعقاده، القول لـquot;حماسquot; من دون مواربة أن كفى تعني كفى وأن ما تقوم به يصب في خدمة إسرائيل لا أكثر. وبكلام أوضح، على العرب عدم التقاعس في تأدية واجبهم الأول المتمثل في وضع الحركة الإسلامية أمام مسؤولياتها. على الحركة التوقف عن لعبة إطلاق الصواريخ quot;العبثيةquot;، كما يقول quot;أبو مازنquot; والتي لا تؤدي سوى إلى استخدام الشعب الفلسطيني وقودا في معارك لا علاقة لها بقضيته. إنها لعبة في خدمة لعبة أخرى تمارسها الحكومة الإسرائيلية الحالية بإتقان شديد نظرا إلى أنها لم تتخل يوما عن خطة إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية والتهرب من المفاوضات. هل كل الهدف من التصعيد المتبادل في غزة إحراج السلطة الوطنية ممثلة برئيسها السيد محمود عبّاس (أبو مازن)؟ لا يستطيع أي رئيس للسلطة الوطنية التفاوض مع الجانب الإسرائيلي في ظل الحصار لغزة ومحاصرة أهلها وتجويعهم. ولا تعني مقاطعة المفاوضات التي تدعو لها quot;حماسquot; يوميا سوى مزيد من التصعيد وكسب للوقت يستفيد منهما الجانب الإسرائيلي. هذا الجانب الذي سبق وأعلن غير مرة أنه انسحب من غزة لتشديد قبضته على القدس وقسم من الضفة الغربية وتكريس الاحتلال للمدينة المقدسة والمناطق المحيطة بها.
في حال كانت رغبة عربية في مساعدة فلسطين ولبنان، لا مفر من تسمية الأشياء بأسمائها وتفادي السقوط في العموميات. نعم إن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة وتعاقب أهل غزة على أمور لا علاقة لهم بها. لكن إسرائيل تستفيد في المحصلة من ممارسات quot;حماسquot; ومن على شاكلتها الذين حولوا القطاع الى quot;حماستانquot;.
في النهاية، ما حصل في غزة كان انقلابا على السلطة الوطنية ظاهرا. في العمق، كان ذلك انقلابا يستهدف أي مشروع تسوية واقعي في المنطقة مبني على أقامة دولة فلسطينية مستقلة في أطار حدود 1967، على أن يرافق ذلك تبادل للأراضي وحل عادل لقضية اللاجئين. ولهذا السبب وليس لغيره، سهلت إسرائيل حصول quot;حماسquot; على السلاح والمساعدات المالية. أدت quot;حماسquot; الدور المطلوب منها إسرائيليا. على العرب القول بالفم الملآن إن الشعب الفلسطيني ليس مضطرا لدفع ثمن ولاء quot;حماسquot; لا لدمشق ولا لطهران.
وفي لبنان هناك، هناك انقلاب ينفذ على مراحل بدأ باغتيال الرئيس رفيق الحريري لضم الوطن الصغير إلى المحور الإيراني ـ السوري وتحويله رأس حربة للمحور، أي quot;ساحةquot; تستخدم لابتزاز العرب وغير العرب. ما يحاول النظام السوري قوله للعرب إن الخيار أمامهم بين الرضوخ لمطالبه، بما في ذلك تشكيل الحكومة اللبنانية في دمشق، أو بين حرب أهلية ذات طابع مذهبي تنطلق من بيروت.
لم يعد مكان لأنصاف الحلول والمساومة والكلام المعسول الذي لا معنى له. أما يختار العرب عبر مجلس الجامعة الوضوح، أي الوقوف مع اللبنانيين والفلسطينيين... واما الاستسلام للمحور الإيراني ـ السوري الذي تحظى سياساته في المنطقة بدعم إسرائيلي غير مباشر، على الرغم من كل الشعارات الطنانة التي يتغطى بها. هل من خدمة لإسرائيل أكبر من خدمة أثارة النعرات المذهبية والدينية في المنطقة، من العراق، إلى الخليج، إلى لبنان، إلى فلسطين؟
- آخر تحديث :
التعليقات