ستيفن ويبي - كريستيان ساينس مونيتور
إذا ما كنت تفكر في قضاء العطلة في بريطانيا على وجه التحديد، فالأفضل لك أن تفعل ذلك الآن وفي أسرع وقت ممكن، وذلك قبل أن تنتهي حقبة الألف عام التي كانت بريطانيا خلالها دولة مستقلة. ولكن ما السبب في ذلك؟ السبب هو معاهدة لشبونة التي وقعها قادة 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي في شتاء العام الماضي، والتي وإن كانت تبدو جذابة في أعين بعض دول الاتحاد الأوروبي، إلا أنها ليست كذلك على الإطلاق في عيني إنجلترا (بريطانيا في الحقيقة). ويرجع هذا إلى حقيقة أن تلك الاتفاقية، إذا ما تم التصديق عليها، ستكون هي الفصل النهائي والحاسم في قصة خلق سوبر- دولة فيدرالية أوروبية عاصمتها بروكسل، ما ستصبح بريطانيا بمقتضاه مجرد مقاطعة من مقاطعات تلك الدولة الفضفاضة، كما ستصبح برلماناتها التي تسميها quot;أم البرلماناتquot; مجرد جمعيات إقليمية!
وليست هذه المهانة بالشيء القليل على الدولة التي أعطت العالم اللغة الإنجليزية، وأنقذت الحضارة الغربية في معركة بريطانيا عام 1940. أقول هذا حتى لو كان لـquot;اليوروقراطquot; -أي عتاة بيروقراطيي الاتحاد الأوروبي في بروكسل- رأي آخر، وحتى لو لم يعترفوا بذلك. غير أن الحقيقة، التي لا مراء فيها، هي أن اتفاقية لشبونة في الجوهر تعتبر دستوراً لدولة يطلق عليها quot;دولة أوروباquot;. أو بوضوح أكثر، إن هذه الاتفاقية ليست سوى عملية إعادة تغليف لمسودة الدستور الأوروبي، الذي رفضه الناخبون الفرنسيون والهولنديون عام 2005.
ولعلنا نذكر أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، قد وعد بطرح الدستور الأوروبي للاستفتاء على الشعب البريطاني، ولكن خليفته quot;جوردون براونquot; تراجع عن هذا الوعد عندما جاء إلى الحكم بحجة أن اتفاقية لشبونة تخلو تماماً من أية أبعاد دستورية، وتحافظ على الجوانب الأساسية من السيادة البريطانية، وأنه ليس هناك ما يدعو لطرحها للاستفتاء. ويشار في هذا السياق إلى أنه في الحادي عشر من مارس الحالي، تم اعتماد مشروع القانون الذي سيتم بموجبه التصديق على الاتفاقية، من قبل مجلس العموم البريطاني، وهو ما سيمكن حكومة براون من تمريرها في مجلس اللوردات أيضاً.
والمناهضة البريطانية الشعبية للاتفاقية، وهي مناهضة مثيرة للاهتمام في الحقيقة، بدت واضحة من خلال سلسلة من الاستفتاءات المصغرة، التي تم إجراؤها مؤخراً، والتي رفض خلالها 90 في المئة من البريطانيين اتفاقية لشبونة رفضاً باتاً، وطالبوا بإجراء استفتاء عام عليها.
وإذا ما صادقت الدول السبع والعشرون التي يتشكل منها الاتحاد الأوروبي على الاتفاقية هذا العام، فإنها ستبدأ في الدخول حيز التنفيذ في الأول من يناير 2009. وبحلول هذا التاريخ، سيكون متوقعاً من البريطانيين أن يغيروا ولاءهم وعاطفتهم، ويوجهونهما نحو الاتحاد الأوروبي، وأن يكرسوا جهودهم على الدوام من أجل رخاء الاتحاد واستمراره.
وباختيار علَم له، ونشيد قومي، وعملة، ومؤسسات، ولوائح وقوانين، وتوجيهات، بدا الاتحاد الأوروبي شيئاً فشيئاً في صورة الكيان الذي لا يمكن تمييزه، إلا بصعوبة، عن صورة دولة- أمة مُنتظرة.
أما في الوقت الراهن، فإن اتفاقية لشبونة تعطيه الشروط الجوهرية المبدئية لهذا النمط من الدول، والتي كان يفتقر إليها قبل الموافقة عليها وهي: رئيس، ووزير للخارجية، وسلك دبلوماسي خاص، ووزارة داخلية جديدة وقوية، ومُدعٍ عام، وصلاحيات كاملة لصياغة المعاهدات، ونظام موحد للعدالة الجنائية، وقوة شرطة صغيرة، وقوة درك وطني quot;جندرمةquot; خاصة -على رغم أن هذا الاسم يبدو ثقيلاً على الآذان. وإذا ما وضعنا كل ذلك في الحسبان، فإننا سندرك أن الاتحاد قد تحول بالفعل إلى دولة هائلة ذات صلاحيات ضخمة.
والأمر الأكثر مدعاة لتخوف البعض، هو أن معاهدة لشبونة تتضمن بنداً ينص على إمكانية توسيعها بلا نهاية، دون الرجوع إلى أي اتفاقيات مستقبلية، أو استفتاءات. وما يمكننا استخلاصه من ذلك، هو أن الدول الأوروبية السبع والعشرين، قد أصبحت تقف الآن على حافة مرحلة يعاد فيها تكوينها مجدداً كسوبر- دولة فيدرالية أوروبية، وهي دولة يحقق تبلورها على أرض الواقع حلم الدبلوماسي الفرنسي quot;جان مونيهquot; الذي كان يعتبر الدولة- الأمة لعنة من السماء.
لقد كانت بريطانيا دولة- أمة ناجحة حقاً، كما كانت قوة عالمية مرهوبة الجانب كذلك. وهذه الحقيقة تجعل من الصعب عليها في الوقت الراهن أن تتخلى عن ماضيها المجيد. وهذا الموقف يتناقض تماماً مع موقف جيرانها الأوروبيين الذين لم يكن تاريخهم مجيداً، بل كان مشوباً بالطغيان، والهزائم العسكرية، والبربرية الاستعمارية، وهو ما جعلهم أكثر تلهفا على الدخول في كيان كبير أو سوبر- دولة تبسط عليهم ظلها الحامي.
إن اتفاقية لشبونة تجسد في كل جزء منها اعتقاد الاتحاد الأوروبي الجوهري بأن الدولة- الأمة هي كيان قد عفا عليه الزمن وتجاوزه التاريخ، مثله في ذلك تماماً مثل قبائل العصر الحجري. ولكن هذه الاتفاقية في حالة بريطانيا بالذات، ستقلص من حرية العمل، ومن الرؤية العالمية لأمة لا يزال شعبها بعيداً كل البعد عن الاقتناع بأن الاستقلال والسيادة ليسا إلا علامة من علامات العار -كما يفترض وفقاً لتلك المعاهدة العجيبة.
وربما تكون الملكة أليزابيث هي الوحيدة القادرة على إنقاذ مملكتها من معاهدة لشبونة المشؤومة، حيث يمكنها على سبيل المثال استخدام حق quot;الفيتوquot; ضدها، وذلك عندما يتم رفعها إليها للموافقة، وأن تعلن وقتها أنها ليست على استعداد كي ترى دولتها المستقلة، والمحبة للحرية، وقد تم ابتلاعها من قبل سوبر- دولة فيدرالية أوروبية متعالية، وسلطوية، وغير محبوبة.
وهي عندما تفعل ذلك، فلن تكون استثناء في التاريخ البريطاني. ففي عام 1708، رفضت الملكة quot;آنquot; الموافقة على ما كان يعرف بـquot;قانون الميليشيا الإسكتلنديةquot;، وهو الرفض الذي لم يكن سببه سوى مجموعة من الريفيين الأجلاف الذين يحملون البنادق والمشكوك في ولائهم، وساهمت بهذا الرفض في بقاء وطنها واستمراره قائماً حتى الآن.
التعليقات