مهنا الحبيل
أنهى أمير الكويت زيارةً للرياض هذا الأسبوع سلَّمَ خلالها بحسب تصريحات مصادر إعلامية مختلفة القيادة السعودية رسالة من الرئيس بشار الأسد والمتوقَّعْ أن تكون هذه الرسالة جواباً على ما طرحه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في مؤتمره الصحفي من رؤية المملكة لأزمة لبنانْ وتأكيده الجديد على الدفع بالداخل اللبناني إلى تجاوز الحواجز السياسية التي صنعت عن عمد بحسب الرياض دورياً لتعليق لبنان بهذه الحالة وتجميد انتخاب العماد سليمان فيه.
المؤتمر الصحفي تزامن مع انعقاد القمة في دمشق وما طرحته السعودية لتبرير غياب التمثيل القيادي فيه ولكن التفصيل الذي عرضه وزير الخارجية السعودي لأول مرة وإعلان الموقف من تلك المدارات المتعثرة قدَّمَ عرضاً ضمنياً سعودياً واضحاً يخرجُ بالقضية اللبنانية إلى معالمَ مُحددة على أقل تقدير لإخراج لبنان من الحالة الراهنة والمهم في ذلك أن التفصيل الذي قدمه السعوديون يردُّ عملياً على الاتهامات الدائمة للموقف السعودي في تقاطعاته مع الموقف الأمريكي المعادي بكل تأكيد لقضايا الأمة المركزية ولقد برز هذا الموقف في تحديد السعودية الجديد المطلوبْ للخروج من الحالة الراهنة وخاصة إنقاذ لبنان من براثن الاحتقان الطائفي وهواجس الحرب الأهلية بمعنى أن السعوديين قدّموا رداً عملياً يتلخَّص في العمل على إنجاز انتخاب الرئيس وتأكيد الموافقة التي رعتها السعودية من خلال الموقف الذي استصدرته من قوى الرابع عشر، وبرغم أن دمشق لم تُظهر تجاوباً كاملاً لإعادة طرحْ الموقف السعوديْ في معالجة الأزمة إلا أنها أبدتْ مرونة واضحة ورسالة ضمنية إلى استعدادها للبحث في هذا المسار من جديد والدفعْ بالحالة السياسية اللبنانية إلى التقدُّم لتحقيق المصالحة وإن كانَت هناك حملة تشكيك من الطرف الآخرْ في لبنان وبعض المصادر الخليجية من أنَّ الموقف السوري ربما لن يتجاوز حالة المدارات السابقة وإنما سيسعى لاتخاذ هذه الدعوة الجديدة لصالحْ مرحلة زمنية تُكثَّف من خلالها استعدادات المحور الإيراني في لبنان.
الحرب.. وما بعدَ الحرب
لكن ما تؤكده تداعيات الأحداث على الساحة الإقليمية للبنان خاصة في نزعة الحرب الجديدة للكيان الصهيوني ضد لبنان ربما دفع هذين الطرفين العربيين إلى تسوية هذه القضية السياسية وإن كان ذلك خشية من تداعيات الحالة القائمة وفقدان كلتا العاصمتين لتوازناتهما على الساحة اللبنانية وانحدارْ لبنان إلى حالة مخيفة من الإنفلات الأمني والسياسي والثورة الطائفية يصعب على أي طرفٍ كان ضبط مساراته وتوجهاته المستقبلية وإن كنتُ أرى أن العدوان الإسرائيلي المتوقع إن تمَّ فهو أرحم بكثير من حالة الحرب الأهلية الطائفية التي يسعى المحوران للاستفادة من نتائجهما لمصلحة العدو الصهيوني أو القوى الإقليمية التي ترى في مشروعها الطائفي الخيار الأوحدْ لامتدادها السياسي والاستراتيجي على الساحة العربية.
من هُنا فإنَّ إدراك العاصمتين العربيتين لمآلات هذه المزالقْ يدفع بكلٍ منهما إلى أن يعيد التفكير في انفجارات الحالة الأمنية والسياسية وتأثيراتها على المنطقة وعلى الوطن العربي ككل وهذا يؤكد تعزيز الابتعاد لكلٍ منهما عن قوى المركز لكلا المحورين وتعزيز التسوية في إطارٍ عربي معَ الاعتراف بضرورة تقديم التنازلاتْ وخاصة ضمان أن المحكمة الدولية لن تُدعم عربياً في مشروعها الأمني حتى تصلْ إلى مركز القيادة السورية وإلا فلن تخرجَ القضية من أزمتها فاستشعارْ دمشقْ بأن نهاية المسارْ للمحكمة الدولية سوفَ يستهدفْ قيادتها السياسية لن يُعطيها أي بادرة تشجيعْ لتسوية الحالة السياسية في لبنان وعليه ستبقى كل المآلاتْ مفضلةً قبلَ هذا المآل.
وإدراك توازنات اللعبة السياسية وضرورات المرحلة قضية مفصلية مبدئية في العمل السياسي وينبغي على قوى الرابع عشر من آذار إدراك هذه القضية والحد الممكن الوصول إليه في إنجاز طموحْ أي فريق على الساحة اللبنانية وهو كذلك في الطرفِ الآخر فطأفنة لبنان على الطريقة العراقية التي بدأ حزبُ الله وأضلاعْ المعارضة الرئيسية في تسويقْه ودفعْ حصة الطائفة وشخصيتها الاعتبارية فوقَ الدولة وفوقَ الشعب قضية لن تمر بسهولة ولن يُضمن لها النجاح في لبنان.
قبولْ قيادة المحورين بالتسوية
ولعلَّ الدافعَ الأهم للولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية في القبولْ بهذه التسوية حتى ولو كانتْ على حسابْ بعض مصالحهما نسبياً هو خشية كلا الطرفين من عواقب اندلاع الحربْ في المنطقة وبالتاليْ سيكون المناسب لهما العودة بالمسار اللبناني إلى نفس المسارْ التوافقي أو الصراع السياسي المتوتر الذي انتهجته واشنطن وطهران في تسوية العلاقة بينهما في العراقْ والخليجْ وهوَ ما أكده روبرت غيتس مؤخراً ونص عليه تقرير بيكر هاملتون.
العدو المشترك لكلا المحورين
إن الحالة التي تعيشها المنطقة العربية وخاصة في لبنان والشام والخليج من خلال التجاذبات الشديدة مع المشهد العراقي والوجدان الثائرْ للجمهور العربي والغالبية السنية فيه والذي يستشعرُ فيهِ حالةَ غبنٍ تاريخية وحالة وعيٍ ونهوضٍ ذاتيه تُسيطرُ على وجدانه ليست هيَ تلكَ الأجواء التي عاشتها لبنان في حربها الأهلية في منتصف السبعينيات وبالتالي فإن تداعيات الأحداث واندلاع الفتنة قد يقود في نهاية الأمر إلى وصول المقاومة وعودتها إلى الحدود اللبنانية مع الكيان الصهيوني والتحييد النسبي أو الكلي للحالة الإيرانية فيه وهو ما سيعطيْ مشهداً مختلفاً كلياً يخشى الأمريكيون والإسرائيليون منه حينَ تلتحمْ وتلتف أضلاع المقاومة العربية الإسلامية في العراق وفلسطين بعدَ أن تنضم المقاومة العربية المستقلة اللبنانية عن إيران إليها وهوَ سيناريو يُفزعُ تل أبيب وواشنطن وطهران التي ستفتقد بطاقة مهمة تعوُّل عليها في موازين اللعبة.
ولذا فإن إدراك هذه الأطراف كلها لهذا المسار وإرهاصاته ربما دفعَ بها إلى قبول التسوية العربية بين دمشق والرياض للقضية اللبنانية وهوَ ما سيضمنْ وهوَ المهم لنا في محور الاستقلال العربي نجاة لبنان من الفتنة ومن تمزيقه وتمزيق شعبه وتجنُّب مزيد من الشرخ الطائفي في جسمنا العربي الجريحْ.
التعليقات