تركي الدخيل

يروى أن السادات كان يسأل عن النكات التي تتداول بين المجتمع المصري لغرض فهم نفسية المجتمع وحالته، ورصد أكثر ما يشغل باله وتفكيره، والنكتة المصرية كانت وما زالت هي الأشد تعبيراً عن الأوجاع من بين النكات العربية، بل إن المجتمع المصري استطاع أن يحوّل المآسي إلى ضحكات، ولا أدل على ذلك من حادثة العبّارة المصرية وغرقها والتي كانت موضع توليد للنكات لا ينتهي.
المادة التي نشرت في الرياض أمس عن النكتة في المجتمع السعودي تعيد الاعتبار إلى quot;عيارةquot; يمتاز بها المجتمع السعودي عن غيره، أحياناً تصلك نكتة تتعجب من مستوى العبقرية في ذهن من أطلقها، وأحياناً من مستوى الألم. من المهم التذكير بأن النكات لا تنشط في المجتمعات السعيدة الراكدة الهادئة، بل تزدهر في المجتمعات التي تعاني من الآلام والأوجاع، وإذا كان المجتمع السعودي مر بانكسارات كثيرة، سواء حرب الخليج، أو أحداث الإرهاب، أو انهيار الأسهم، وغلاء الأسعار، فإن كل تلك الأزمات ولدت أكثر النكات دقة ووصفاً للحالة الاجتماعية السعودية.
سمعت قبل أيام تصريحاً لدلال عبد العزيز زوجة سمير غانم تقول إن سمير هذا الكوميدي الذي يضحك الآلاف يجلس كثيراً في البيت مكتئباً، وتروي هالة سرحان أن عادل إمام تعتريه نفس الحالة، ولا ننسى كيف مات الفنان الكوميدي خفيف الظل يونس شلبي، هؤلاء الذين أضحكت كلماتهم الملايين لم يتغلبوا على مصدر النكتة الأساسي ومصدر الكوميديا الأول وهو الوجع.
قلت: وأستشهد هنا بمقولة لشارلي شابلن حينما قال: quot;الإنسان يحاول أن يسعد نفسه، فلا يحظى إلا بالتعاسة، يتولد الضحك، ربما بسبب فضاعة المأساة، وربما بسبب تصارع الأضداد، وربما بسبب تجاوز التعاسة حد الحزن، حيث يصبح الضحك هو البديل المنطقيquot;.
ولا ننسى أن هذا العبقري الكوميدي الأشهر عاش حياة مؤلمة مأساوية أساسها الفقر المدقع، وعبر النكتة استطاع أن يسخر شابلن من الفقر نفسه، الفقر الذي طالما اعتبره العدو اللدود، وهذه قيمة النكتة أن تهزم من خلالها كل المشاهد المأساوية، وقديماً قيل: quot;شر البلية ما يضحكquot;!