المقاهي تحولت لمدرجات.. وموظفون يهربون من الدوام لمتابعة المباريات في منازلهم

الدوحة - محمد سيدي


تطورت خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت ظاهرة التشجيع الرياضي والتعلق بالأندية والمنتخبات الكروية بين عامة الناس وخاصتهم، ولم يسلم من هذه الظاهرة كبير أو صغير، حتى النساء أصبحن من بين المشجعات المتعصبات اللاتي يحضرن مباريات كرة القدم في الملاعب ويزاحمن الرجال في المدرجات.
وأدى تفاقم هذه الظاهرة إلى تداعيات كثيرة عايشها البعض منا أو سمع عنها فيما يروى أو يكتب في الصحف، فكم من صديق خاصم خله بسبب الكرة، وكم من زوج ساءت علاقته مع شريكة حياته، لأنها laquo;ما تفهم في الكورة!raquo;، وحتى الأطفال الصغار أصابتهم عدوى التعصب الرياضي وأصبح بعضهم مصراً على شراء دفاتره وحقيبته المدرسية وأقلامه الموسومة بشعارات وألوان ناديه المفضل!!، كما أن لمتابعة المباريات والاهتمام بأخبار الفرق الرياضية الأجنبية والمحلية النصيب الأوفر من وقت هؤلاء على حساب تحصيلهم العلمي والدراسي.
وحين نعدد الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة نجدها كثيرة ومتشعبة، بدءاً من التعلق الفطري بالمنافسة بين البشر وحب الفوز والتغلب الذي أذكته وسائل الإعلام الرياضية بمختلف أصنافها من صحف مكتوبة أو قنوات متلفزة، وانتهاءً بالحملات الكبرى التي تقوم بها الهيئات الرسمية والجمعيات المعنية بالترقية الرياضية لحمل الناس على التشجيع والحضور للملاعب، وهذه الحملات وإن كانت تهدف في الأصل لتنمية الحس الرياضي والشعور بالوطنية، إلا أن لها مضاعفات قد تتسبب في انحرافها عن مقاصدها وتأجيج مشاعر الكراهية والتنافس غير الشريف بين محبي الكرة.
ومؤخراً انتبه بعض أصحاب المحال التجارية والمقاهي إلى أن هذه الظاهرة قد يستفاد منها في استقطاب الزبائن من هواة الكرة والتشجيع، وأصبحت أغلب المطاعم والكوفي شوب توفر شاشات عملاقة لنقل أحدث وأهم اللقاءات الكروية والبطولات العالمية مقابل دفع الزبون لمبلغ محدد.


أطفال متعصبون!!
يقول هادي محمد وهو تلميذ في الصف السادس الابتدائي إنه يفضل مشاهدة مباريات فريق السد الذي يشجعه عن الذهاب إلى المدرسة، وعبر عن فرحه بالشنطة التي اشتراها له والده والتي تحمل شعار الفريق وألوانه.
حالة هادي مثال واحد على ظاهرة انتشار التعصب الرياضي بين طلاب المدارس، والتي لم تسهم الإدارات المدرسية في منعها أو التصدي لها كما يقول محمد الأمين، الذي يطالب بأن تتخذ الجهات التربوية إجراءات للحد من الظاهرة في المدارس وبين الطلبة ممن لا يدركون التعامل مع هذه الأمور، وقد يتسبب تفشيها بينهم في الكثير من الإشكالات التي قد تنمو معهم وتؤثر على مسارهم التعليمي وتحولهم إلى شباب متعصبين.
ويضيف الأمين: laquo;من الغريب أن تتغاضى المدارس عن انتشار مثل هذه الظواهر داخل أسوارها، فالحقائب الرياضية التي تمجد شعارات الفرق الكروية منتشرة بكثرة لدى الطلاب، وكل تلميذ يتباهى أمام رفاقه بالنتائج التي حققها فريقه على الفرق المنافسة، مما يسبب مشاحنات وصدامات بين الحين والآخر في صفوف الطلبة الصغار، حتى إن الشعارات والكتابة على الجدران وصلت لداخل الصفوف المدرسية ومن الواجب التصدي لهذه الظاهرة مبكراً قبل أن تستفحل وتتطور إلى ما لا تحمد عواقبه، كما أن الانضباط من الأمور المطلوبة في المدارس، ويمنع في بعض البلدان إدخال أي شعار أو رمز أو إشارة على قميص لنادي كروي إلى الصفraquo;.
كما نوه محمد الأمين إلى الدور الواجب أن تلعبه الأسرة في الحد من تعلق الأطفال بالمباريات والأندية والتركيز على المواضيع التي تتناسب مع مستواهم العمري ومتطلباتهم الدراسية، مشيراً إلى أن التعلق بالأندية والكرة ليس بالضرورة تعبيراً عن فهم لأهمية الرياضة ودورها الصحي، بل على العكس أغلب المشجعين الصغار لا يمارسون الرياضة.

النادي أولاً.. والبيت والعمل لاحقاً!


التعلق المفرط بالأندية الرياضية وتشجيعها لا يقتصر على الأطفال وصغار السن، ممن قد يكون لقصور وعيهم دور في تأصيل الظاهرة بينهم، بل يسري على الكبار كذلك، وحتى أرباب الأسر والآباء وكبار السن من بينهم من تعلق كثيراً بالكرة على حساب الواجبات الأخرى المتعلقة به كرعاية الأبناء وأمور البيت الأخرى.
يقول محمد الششتي إن البعض من أصدقائه ورفاقه في العمل يتحايلون على الدوام اليومي من أجل حضور المباريات ومشاهدتها في البيت، بل إن من بينهم من يستخرج مبررات مرضية مزيفة للتغيب عن العمل يوم المباراة.
ويعتبر الششتي أن هذه الظاهرة الغريبة منتشرة بكثرة في أوساط الموظفين، ويمكن ملاحظتها بشكل أكبر أثناء البطولات العالمية لكرة القدم ككأس العالم أو البطولات الأخرى، حيث إن أغلب المتابعين لهذه الفعاليات يتغيبون عن عملهم لمتابعة منتخباتهم المفضلة، منوهاً إلى أن تفاوت laquo;حالات إدمانraquo; الكرة بين شخص وآخر.
ويضيف محمد: laquo;أعرف صديقاً تأثرت علاقته بزوجته كثيراً بسبب مباراة كرة قدم، حين أصرت عليه أن يذهب معها إلى السوق خلال وقت المباراة التي كانت تجمع فريقه المفضل مع فريق آخر، ولولا تدخل بعض الأصدقاء والعائلة لتطور الخلاف إلى طلاق ولتشرد أبناؤهما بسبب مباراة! كما أن الكثير من زملائي يعتبرون حضور المباريات أولوية تأتي قبل المذاكرة للأبناء والسؤال عنهم، وهذا الأمر يعتبر ظاهرة متفاقمة أعتقد أن صاحبها بحاجة فعلاً للعلاج النفسي والتأهيل الاجتماعي ليعود إنسانا سوياraquo;.

وسائل الإعلام هي السبب!


عبد الماجد الراشد يحمل التلفزيونات والقنوات الفضائية المتخصصة في الرياضة المسؤولية عن تفشي التعصب الرياضي بين أفراد المجتمع، معتبراً أن تركيزها على نقل المباريات المثيرة وطريقة التعليق الحماسية والتهويل من الإنجازات الكروية والبطولات العالمية جعلت من هذه الأندية وأخبارها هماً من هموم الناس اليومية، التي لا تقل في شيء عن الأخبار السياسية والحروب المستعرة في أصقاع العالم.
واعتبر الراشد أن التركيز على الرياضة حول اهتمام البعض عن القضايا الأكثر أهمية وعلق قلوب الناس بالكرة والفريق الفلاني واللاعب العلاني، بينما نجد من بيننا من لا يعلم بالهجمات التي يتعرض لها الأقصى مثلاً، ولم يسمع عن المجاعة التي يتعرض لها إخوتنا في الصومال. ويضيف الراشد: laquo;لا يمكنني تصور هذا الجنون الإعلامي الذي حول الرياضة من أداة تسلية ولعبة عادية إلى هم يتعلق به الكبير والصغير، وأصبحت القنوات المتخصصة تبث ليل نهار البطولات العالمية وأخبار الأندية العالمية واللاعبين التي بدورها صارت الحديث اليومي الذي تتداوله الألسن في المقاهي والإدارات والمدارس والمحلات التجارية، وكل هذا على ما أعتقد بفعل أيادٍ خفية تريد إلهاءنا عن الأمور الهامة التي تتعلق بالأمةraquo;.

المقاهي المستفيد الأول!


حينما تمر بجانب أحد المقاهي في سوق واقف أثناء إحدى المباريات الكروية ستستغرب من الحشد الكبير من الزبائن المتجمهرين في المقهى، ليس لتناول كؤوس الشاي أو لتدخين النرجيلة (الشيشة) كما هو معتاد، بل لمتابعة المباراة في جو حماسي لا يمكن توفره في المنزل.
محمد الفارسي اعتبر أن المباريات فتحت باب رزق جديد على أصحاب المطاعم والمقاهي والكوفي شوب، وفطن الكثيرون منهم إلى هذا الأمر من خلال تخصيص شاشات ضخمة لنقل المباريات وتوفير الأجواء المناسبة لمشاهدة تفاعلية لكافة الرواد مقابل مبلغ زهيد يدفعه هؤلاء والبعض يقدم الخدمة مجاناً. ويضيف الفارسي: laquo;أصبح أغلب الأصدقاء يتنادون إلى المقاهي والمطاعم لمتابعة مباريات الكرة في جو من الضوضاء والصراخ الذي يوحي بأجواء الملاعب والمدرجات، ورغم أن الضجيج يمنع من متابعة التعليق التلفزيوني، ومع حدوث بعض المشادات الكلامية والتعليقات بين مؤيدي هذا الفريق وذاك فإن الجو في المقهى أفضل بكثير من مشاهدة المباريات في البيتraquo;.

laquo;الهوليغنزraquo; في الدوحة!


خالد الشمري يقول إن التشجيع المتعصب موجود بين السباب القطري، ومعروف أن مشجعي بعض الأندية مثلاً يتعاملون بحساسية أكثر مع مشجعي أندية أخرى، ويلاحظ الشمري أن أنصار الريان مثلاً يختلف تعاملهم مع أنصار العربي عن تعاملهم مع بقية محبي الأندية القطرية الأخرى نظراً للتنافس التقليدي بين الفريقين، كما أن مشجعي السد معروفون في الأوساط المحلية بالهدوء مقارنة ببقية المشجعين وهكذا، منوهاً إلى أن ظاهرة التعصب ليست موجودة في الدوحة كما في البلدان الأخرى إلا أنه يوجد حالات شاذة عن القاعدة طبعاً.
يقول خالد: laquo;بالطبع في كل الأمور هناك المعتدل والمتطرف، وكذلك بالنسبة للشباب، منهم من يتعصب لفريقه بشكل مبالغ فيه ومنهم من يعتبر الأمر أمراً عادياً ولا يتعدى التشجيع لفريق معين، ومن بين الحالات التي يكون فيها التشجيع مبالغاً فيه أن بعض الشباب يتكلف مبالغ طائلة لإظهار حبه لناديه، فمثلاً يشتري سيارة بألوان الفريق ويسعى للحصول على كل الإكسسوارات التي تخصه مهما كلفه ثمنها، ومنهم من يلون غرفته ومجلسه بألوان فريقه، فالحب كما يقال ضرب من ضروب الجنون، وأنا أعرف رفيقين لي في المدرسة دخلا في عراك دامٍ بسبب فوز فريق أحدهما على الآخرraquo;.
بدوره يقول حسنين شعبان إن التعلق بالكرة أصبح حالة مرضية، مدللاً على ذلك بحال التشنج الراهنة التي تطبع أنصار المنتخبين الجزائري والمصري والتي وصلت تداعياتها إلى قطر على حد قوله، حيث إن أبناء الجنسيتين تتركز كل حواراتهما حالياً على ما سيحدث في المباراة المرتقبة، كاشفاً أنه وبرغم أن هذه النقاشات ودية غالياً ولا تتعدى المزاح، فإن ذلك لا ينفي وجود توتر بين البعض أحياناً، خاصة حين تشوب الحديث نبرة تهكمية من هذا الجانب أو ذاك.
ولم يترك حسنين فرصة الحديث مع laquo;العربraquo; تفوت دون التنويه باستضافة قطر للمباريات الودية بين المنتخبات العالمية، معتبراً أن مثل هذه المباريات سيكون لها أثر جيد على الشارع المحلي والرياضة القطرية، كما أنها تلعب دوراً هاماً في جلب السياح والمهتمين بالرياضة، منوهاً إلى أنه ينتظر رؤية مشجعي المنتخب الإنجليزي المعروفين بـ laquo;الهوليغينزraquo; في الملعب بعد أن سمع عنهم كثيراً.

التشجيع الرياضي.. ورأي الشرع


في موقع إسلام أون لاين ورد سؤال من أحد المستفتين عن رأي الشرع في التعصب الرياضي للأندية، وكان الجواب بأن الرياضة من الأشياء التي حبب الإسلام في القيام بها، وهذا العصر الذي نعيش فيه ظهرت ظاهرة جديدة هي ظاهرة التشجيع للأندية الرياضية، وأحيانا يكون هذا التشجيع تعصبا.
والقاعدة الأصولية تقول إن الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا ورد ما يستوجب التحريم، فإن كان التشجيع يقتصر على التشجيع فقط دون أن يكون تعصبا أو يكون هذا التشجيع مدخلا من مداخل الشيطان في ارتكاب المحرمات أو التقصير عن أداء الواجبات، فإنه حينئذ يكون باقيا على حكم الإباحة. أما إذا كان التشجيع تعصبا أو سببا في زرع العداوة بين الناس أو التقصير عن الواجبات فإنه يحرم من أجل هذه الأشياء.
ويقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية إن على المسلم أن يكون جاداً في حياته مشتغلا بما خُلِق من أجله وهو عبادة الله وحده، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وأن يربأ بنفسه عن مثل هذه الأمور التي تضرّه في دينه ودنياه وتشغله عن مصالحه الدنيوية والأخروية.
والقاعدة المقررة عند أهل العلم في المباحات أن ما شغل عن الواجبات، أو صار وسيلة إلى ارتكاب محرم، فإنه يكون حينئذ حراما، وأما ما شغل عن المستحب ولا يكون وسيلة إلى محرم فإنه يكون حينئذ مكروها، وما لا يشغل عن هذا ولا ذاك فإنه يكون مباحا على الأصل، ومن نظر في أحوال المشجعين وجدهم قد انهمكوا في التشجيع، وغفلوا عن كثير من الواجبات ومن ذلك ترك الصلاة في الجماعة وتأخيرها عن وقتها وغير ذلك مما لا يخفى، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحدص فلا شك في التحريم حينئذ، إضافة إلى ما يصاحب ذلك من تعلق القلب وانشغاله، والحب والبغض من أجلها، والموالاة والمعاداة بسببها.

شجع ناديك من أجل صحتك!!


قد يكون من المستغرب لدى البعض أن تكون هناك فوائد طبية أقرها علماء النفس تتأتى من التشجيع الرياضي ومساندة النادي المفضل للشخص ومتابعة مبارياته، بل أوجد هؤلاء حقائق معينة تكفل للمشجع أقصى استفادة نفسية من laquo;صياحهraquo; وفرحته بمتابعة هدف فريقه المفضل!
- من وجهة النظر النفسية فإن مشاهدة المباريات ومتابعتها والاستمتاع بذلك فن لا يجيده الكثيرون منا، ونقول إنها مناسبة جيدة لتحقيق ترويح ذي فائدة كبيرة من الناحية النفسية فنحن على موعد لننسى همومنا مع هذه المباريات ولنخرج من قلقنا المعتاد واهتماماتنا التقليدية لنعيش أجواء المنافسة والاستماع بها.
- لكي تتحقق الفائدة النفسية القصوى من المشاهدة علينا أن نستعد ونهيئ أنفسنا بصورة ملائمة للمشاهدة.. وقبل المباراة نجمع معلومات عن الفريقين وأسماء اللاعبين.. ونتحمس لأحد الفريقين ونحاول أن نستمر في تشجيعه بحرارة.
- أثناء المشاهدة لا تسمح لنفسك بالسرحان أو التشتيت وركز انتباهك جيداً في المباراة وستجد أنه قد تحقق لك بذلك مشاهدة مثمرة ومفيدة للصحة النفسية تساعد على التخلص من مشاعر التوتر والقلق، وفكرة ذلك تشبه إتباع بعض الوسائل والطرق البسيطة التي تقوم على شغل الذهن والانتباه في موضوعات مختلفة بعيداً عن مصادر الهموم والقلق.
- ولا مانع أيضاً من توجيه النقد والتعبير عن الرأي في كل ما نشاهده، فالتعبير هنا تنفيس انفعالي إيجابي ووسيلة لإسقاط الانفعالات الداخلية على الحكم واللاعبين والمدربين، وهذا التعبير وسيلة لتأكيد الذات وحرية الانفعال، ويساعد ذلك في تعميم هذا الاتجاه في مواقف الحياة الأخرى، حيث يمكن التخلص من الخجل والمخاوف الاجتماعية والانطواء والتعود على التفاعل مع الأحداث. إنك بإتباع هذه الخطوات تكون قد اتبعت الدليل الذي يقدمه لك طبيبك النفسي إلى مشاهدة مثمرة ومفيدة للصحة النفسية تساعد على التخلص من مشاعر التوتر والقلق.