عبدالخالق عبدالله
يقول الدكتور بيتر ثيربر، أستاذ الدراسات الأميركي بالجامعة الأميركية في واشنطن، إن الرئيس باراك أوباما وعد بتغيير السياسات العقيمة السائدة في واشنطن، لكنه وبعد مرور سنة على رئاسته حدث العكس تماماً، حيث استطاعت سياسات وممارسات السياسيين في واشنطن من تغيير الرئيس أوباما. لذلك قرر الدكتور ثيربر ان الرئيس أوباما لا يستحق أكثر من تقدير ''ضعيف جداً'' لأدائه في السنة الأولى في البيت الأبيض، خصوصاً وان السنة الثانية من سنوات الرئاسة الأميركية هي أكثر صعوبة من السنة الأولى، حيث جرت العادة أن يفقد حزب الرئيس أغلبيته في الكونغرس الأميركي بعد الانتخابات النصفية المقررة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني .2010
كذلك وبعد استعراض دقيق لأقواله وأفعاله، قرر محلل صحيفة الواشنطن بوست المخضرم، ديفيد برودر، إعطاء الرئيس الأميركي أوباما درجة ''غير مكتمل'' للسنة الأولى من رئاسته. يقول برودر، الذي كتب كثيراً عما يجري خلف الأضواء والكواليس في البيت الأبيض، أن أوباما وعد كثيراً ونفذ قليلاً وفقد ثقة قاعدته الحزبية في الوقت الذي ضاعف من استياء المستاءين من المعارضين له. والاهم من ذلك وجد أوباما أن المؤسسة الأميركية الحاكمة صعبة كل الصعوبة، والنظام الأميركي معقد كل التعقيد ولا يستجيب للتغيير سريعاً. أما الشعب الأميركي الذي صوت لصالح التغيير بأغلبية مطلقة فقد فجأة الرغبة والثقة في التغيير في اقل من سنة.
أما تشارلس كروثمر، احد أهم كتاب اليمين المحافظ ومن اشد أنصار اللوبي الصهيوني في واشنطن فقد أعلن أن ''سنة 2009 هي سنة سقوط أسطورة أوباما'' الذي بدأ السنة الأولى من رئاسته كملك لملوك العالم وانتهى به الأمر في بداية سنته الثانية إلى تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أدنى مستوى تصل إليه شعبية أي رئيس أميركي في نصف قرن. ربما لم يسقط أوباما كما زعم كورثمر، وربما لا يستحق تقدير امتياز، لذلك فإن تقدير ديفيد برودر بأن الرئيس الأميركي يستحق ''درجة غير مكتمل'' هو التقدير الأكثر موضوعية للسنة الأولى من رئاسة أوباما بالنسبة لأجندته الداخلية.
تقدير ''غير مكتمل'' هو تقدير ايجابي أكثر مما هو تقدير سلبي، وهو تقييم آني أكثر مما هو تقدير نهائي ويشير إلى أن أوباما مجتهد وقادر على تحقيق أهدافه ولديه رصيد مهم من العمل الجاد، لكن غلبه الوقت ولم يتمكن من تحقيق ما وعد به في سنته الأولى نتيجة لظروف قاهره وخارجة عن أردته. كما تشير درجة ''غير مكتمل'' وجود أسباب مقنعة أن أوباما بذل الكثير من الجهد لتحقيق أجندته الداخلية والخارجية، وانه قادر بما يملكه من معطيات زعامية مؤسسية على تحقيق برنامجه لو أعطي المزيد من الوقت. بل إن كل المؤشرات تقول انه يستحق أن يعطى فرصة جديدة قبل الإعلان النهائي عن نجاحه أو فشله في السنة الأولى. فتقدير ''غير مكتمل'' يوحي بأن الثقة عالية في أوباما، وفرص نجاحه كبيرة انه سيحصل على درجة متفوقة في نهاية العام .2010
لذلك كله لا ينبغي التسرع في إصدار الحكم النهائي على أداء أوباما في السنة الأولى التي شهدت تراجعاً كبيراً في شعبيته في الداخل الأميركي رغم انه، ووفق آخر استطلاعات الرأي يحتفظ بشعبية كبيرة تصل إلى 72% في الخارج الأميركي.
فالعالم الخارجي، بما في ذلك المنطقة العربية، يقدر الرئيس الأميركي، وينظر إليه باحترام، ويتعاطف مع نهجه الإصلاحي والتوفيقي. لقد نجح أوباما مبدئياً في خلق صورة ايجابية لأميركا في العالم، وساهم في تخفيف حدة العداء تجاه الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي، وتراجع كثيراً الشعور بالعداء والكراهية للسياسات الأميركية في عام واحد من رئاسة أوباما.
ومهما كان فشله في الداخل الأميركي فإن أوباما جعل العالم أكثر استقرار وآمناً، وخلق أجواء ايجابية في العلاقات الدولية. كما انه بعث بأكثر من رسالة وفي أكثر من مناسبة أن الولايات المتحدة لن تتصرف في رئاسته بعنجهية وغطرسة وأحادية وانه يستخدم نهج ''القوة الناعمة'' بدلاً من ''القوة الغاشمة'' لحسم الخلافات المستعصية.
كان أوباما دائماً واضحاً انه يفضل الحوار والعمل الدبلوماسي ولا يحبذ المواجهة حتى في التعامل مع الأعداء كإيران الذي مد لها يد المصافحة من دون أن ترد طهران التحية بمثلها حتى الآن. وحتى عندما اضطر لإرسال 30 ألف من القوات العسكرية الإضافية إلى الجبهة الأفغانية المشتعلة، فإنه تأمل طويلاً، وفكر كثيراً، واخذ وقته قبل ان يتخذ مثل هذا القرار الذي يحدد مصيره السياسي، ويتعارض على ما يبدو مع كل ما يؤمن به. لكن الأهم من كل ذلك أن أوباما بذل جهداً غير عادي من اجل التواصل مع العالم العربي والإسلامي وتحدث عن الإسلام باحترام وأعرب عن تقديره الشديد للحضارة الإسلامية. ربما ارتكب أوباما وفريق عمله أخطاء عديدة دفعت إلى تراجع شعبيته وجعلته يستحق تقدير ''غير مكتمل'' لأجندته الداخلية. لكن الرئيس الأميركي يستحق أكثر من تقدير ''غير مكتمل'' من الخارج، وخصوصاً من العالم الإسلامي، وخصوصاً من العالم العربي. فالذي لا شك فيه أن مواقف أوباما المعتدلة في الخارج واندفاعه تجاه العالم الإسلامي هما من أهم أسباب الاستياء منه في الداخل الأميركي المعبأ ضد العرب والإسلام والمسلمين.
فالمؤسسة الأميركية العنصرية حتى القمة والمتصهينة حتى القعر تشن حملة خبيثة لتشويه صورة أوباما، ولن تنسى أبداً محاولته للضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، ولن تنسى له الانحناءة العفوية أمام الملك عبدالله، ولن تنسى انه اسقط من القاموس كلمة الإرهاب التي كانت ملازمة لكل مسلم وعربي، وستحاول جاهدة منعه من التواصل مع العالم الإسلامي. كما أن هذه المؤسسة ستحاصره من اجل عدم تنفيذ ما وعد به في خطابه المشهور في القاهرة ''ببداية جديدة في العلاقات العربية الأميركية''، و''انه لن يدير ظهره للقضية الفلسطينية بعد الآن''.
لذلك ورغم الاستياء العربي المشروع تجاه تراجعه السريع عن مواصلة الضغط على الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، فإن أوباما يستحق تقدير ''امتياز'' عربي على الأقل لمشاعره الصادقة، ونياته الطيبة ولأنه على الأقل قال كل الأمور الصحيحة في السنة الأولى. وعليه فإنه بدلا من النقد العربي الممل والذي يردد كالببغاء من يقال في الخارج، المطلوب دعم عربي يمكن الرئيس الأميركي من مواجهة ضغط اللوبي الصهيوني الذي قرر إعدام أوبامـــــا أميركيــــا في سنتــــه الأولى، والقضاء عليه عالمـــياً في سنته الثانيـــة.













التعليقات