تركي الدخيل

هل يمكن أن تنقذ القهوة التركية، ما أفسدته الحمولات التاريخية؟!
هذا هو السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مع متابعتي لافتتاح القناة التركية الجديدة quot;تي آر تيquot; الموجهة إلى العالم العربي. وهو رهان جميل أن يتحدث رئيس الوزراء التركي إردوغان عن بداية quot;صفحة جديدةquot; في العلاقة بين العرب والأتراك، خاصةً على المستوى الثقافي. وإذا كانت الحماقات -التي ارتكبها العثمانيون بحق بعض المجتمعات العربية وقبائل الجزيرة العربية وهي ذكريات مؤسفة- قد سيطرت على الذاكرة العربية فإن المشتركات الثقافية والفنية كفيلة بإذابة ذلك الجليد وبداية عهد جديد.
منذ أن بثّت قناة mbc أول مسلسل تركي مدبلج والأنظار العربية تتوجه إلى تركيا، على المستوى الثقافي والسياحي. استفاد الأتراك خلال القرنين الماضيين من ابتلاع نماذج حداثية كبيرة من خلال الاحتكاك مع نفحات النور التي تنثرها على أرجائها أوروبا، غابت صورة الأتراك عنا، وحينما شاهدناها في مسلسلات quot;سنوات الضياعquot; و quot;نورquot; فوجئنا بتحولات الثقافة التركية.
إن الثقافة التركية ليست مجموعة من العادات والسلوكيات فحسب، وإنما أيضاً مجموعة من الأفكار وطرق التفكير التي مكّنت الأتراك من تجاوز جلافة تاريخية إلى عصر مدني مختلف. إن التلاقح بين العرب وبين الأتراك لا يجب أن يقتصر على quot;الأرجيلةquot; وإنما عبر الدخول في مسار الاطلاع المتبادل بين الثقافتين. هل قرأنا الأدب التركي؟ هل قرأنا روايات quot;أورهان باموكquot; الحاصل على جائزة نوبل للآداب في 2006 ؟ هل ترجمنا رواياته أصلاً؟
قال أبو عبد الله غفر الله له: لستُ من المؤمنين بـquot;الغزو الفكريquot; هناك دائماً quot;عرض فكريquot; والإنسان ينخل ما يعجبه ويتوافق مع ثوابته وبيئته، ويدع ما لا يتوافق معهما. أما أن نبقى في حالة من تضخم الأوهام فنظنّ أن الأتراك يعدّون العدة لغزونا فكرياً، وأن الروس حينما افتتحوا قناتهم quot;روسيا اليومquot; يريدون أن ينشروا الفساد العربي. ها هي قناة quot;الحرةquot; التي أجلب الناس بخيلهم ورجلهم ضدها لم تعد تثير أحداً، صارت لا تختلف عن بقية القنوات لفرط رتابتها، لأنها نبتة منبتّة عن التربة الثقافية للمجتمع. بينما قناة تركيا ربما تكون نقلة مهمة للتلاقح بين العرب والأتراك. وشعار quot;القهوة التركيةquot; الذي اختير للقناة يبين كم أن الأمور البسيطة كالقهوة والأدب والمسلسلات ربما تحسّن ما أفسدته الأيام.