إياد علاوي

يتوهم من يتصور أن القضية العراقية بكل تشعباتها وتشابكاتها يمكن أن تحل عن طريق التدخلات الخارجية، مهما كانت هوية هذه التدخلات التي لم ولن تزيد الملفات العراقية الشائكة إلا تعقيدا.

لقد تحدثنا باستمرار منبهين ومؤكدين أن أي قرار له علاقة بالشأن الداخلي يجب أن يكون عراقيا وطنيا نابعا من وجدان حريص على حل مشكلات المواطنين، ويستند إلى روح المواطنة البناءة وبروح نزيهة واضحة وليس بإرادات إقليمية أو دولية.

لقد عول الكثيرون على الدور الأميركي في حل مشكلات العراق، إلا أن هذا الدور لم يتمكن من إيجاد الحلول الناجحة لمشكلات العراق والعراقيين منذ بداية الاحتلال وإلى يومنا هذا.

وإن كنا نحن لا ننسى دور كل من الإدارتين الأميركية والبريطانية في مساعدة العراقيين على تغيير النظام السابق والخلاص من سطوته، لكن للأسف غياب الرؤية وعدم إسناد قيادة البلاد إلى العراقيين أنفسهم زاد من تعتيم المشهد، ووقع العراق في مطبات خطيرة لا يزال يعاني منها ومن مضاعفاتها.

ولعل من أخطر الأخطاء في العراق اعتماد مبدأ المحاصصتين السياسية والطائفية في المجتمع العراقي الذي لم يعرف مثل هذه التسميات منذ قيام العراق الحديث إلا بأشكال ضيقة في بعضها أو بمواقف سلطوية في البعض الآخر. فالمواطن العراقي لم يُعرف عن نفسه سوى أنه عراقي مهما كان انتماؤه الديني أو المذهبي أو القومي ويمارس شعائره بما يؤمن به، وهذا ما يكفله الدستور الجديد للعراق رغم بعض النواقص المهمة في هذا الدستور. وقد أدى المشهد السياسي الطائفي في العراق وانعكاسه على الأداء الحكومي إلى تعقيدات في علاقات العراق الإقليمية فتحت الأبواب على إذكاء النشاطات المدمرة لقوى التطرف بكل أشكالها.

واليوم تقع على عاتق الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي والأمم المتحدة مسؤولية إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل الانسحاب، وهي مسؤولية أخلاقية وقانونية بالدرجة الأولى، ويأتي في مقدمة ما مطلوب منهم هو حماية المسار الديمقراطي الذي ضحى من أجله أبناء العراق، وكما أقرت الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة والرسائل التي تلقتها الكتل السياسية من الأميركيين توضيحا لهذه الاتفاقية التي وقفنا نحن ضدها، بسبب افتقارها إلى الوضوح في ما يتعلق بجاهزية القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي وتنفيذ وثيقة الإصلاح السياسي التي أقرها مجلس النواب السابق، وكذلك إخراج العراق من تحت طائلة الفصل السابع. لهذا، نطالب في الأقل بتنفيذ هذا البند في الاتفاقية والرسائل المرفقة ووثيقة الإصلاح السياسي، وإنقاذ العملية السياسية من المحاصصات السياسية والطائفية، فالديمقراطية طوال عمرها ما عُرفت باعتبارها محاصصات وتجزئة بل هي العدالة.

لقد اتهمنا منافسونا بأننا نسعى إلى تدويل القضية العراقية، تلك القضية المدولة أصلا منذ أوائل التسعينات بسبب غزو النظام السابق للكويت. ونحن سعينا جهدنا، سواء خلال ترؤسنا للحكومة العراقية أو من خلال سعينا السياسي الوطني وعلاقاتنا التي تربطنا بأشقائنا من قادة الدول العربية أو إخواننا من قادة الدول الإسلامية أو أصدقائنا من قادة العالم، لتحرير العراق من قيود الفصل السابع، وتكلمنا مع الأشقاء قادة دولة الكويت ووجدناهم منفتحين على الحوار البناء مع العراق، مؤكدين حرصهم واستعدادهم لمثل هذا الحوار، لكنه لم تكن هناك أي إجراءات سلطوية لإخراج العراق من الفصل السابع، مما يعزز استمرار تدويل الوضع العراقي.

وكما هو معروف، فإن إبقاء العراق تحت الفصل السابع يعني أيضا أن من أولويات مسؤولية الأمم المتحدة حماية حدوده وبيئته وأمواله التي كان من المفروض أن تنتقل بعد ثمان سنوات على سقوط النظام إلى الدولة العراقية التي لا تزال تفتقر إلى مؤسساتها وكيانها وشخصيتها الكاملة.

لقد كنت وما زلت، قد شكرت الإخوة القادة العرب ودولا إسلامية لعدم تدخلهم في الشأن الداخلي العراقي وإبقاء هذا الموضوع بيد العراقيين.

إن المشهد السياسي على امتداد الشرق الأوسط الكبير من أفغانستان شرقا إلى السودان غربا واليمن والصومال جنوبا هو مشهد خطير ويتسم بالتوترات الخطيرة جدا التي قد تعصف بالمنطقة، لا سمح الله، ونرى أن قوى التطرف في مواجهة حقيقية مع قوى الاعتدال على امتداد هذه الساحة، ومما يزيد من تأزيم الأمور هو عدم إشراك قوى الاعتدال من حكومات ومنظمات وهيئات في القرارات الأممية التي يسهم بعضها في إذكاء التوترات وخلق حالة من عدم الاستقرار المتسمة بالخوف.

نحن نرى ونؤكد نهجنا الذي سرنا عليه منذ أن كنا في المعارضة العراقية، وحتى تحولنا إلى الدولة، أن الحل العراقي يجب أن يكون عراقيا، وأن القرار العراقي يجب أن يبقى عراقيا من أجل بناء دولة المؤسسات، دولة تحترم استقلالية القضاء، وتضع حاجات المواطن في أولى أولوياتها، وأن نغادر منطقة المحاصصات الطائفية ونحترم خيارات شعبنا في اختيار من يقوده، بعيدا عن التهميش، تهميش أصوات الناخبين أو القوى السياسية على الساحة العراقية.

إن أصوات الناخبين العراقيين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، رغم ما حصل من تعسف ضدنا، عبرت، وبشكل يدعو للاحترام وتقدير هذا الشعب الرائع، عن رغبة الناس في نبذ الطائفية السياسية وبناء الدولة العراقية وتحقيق المصالحة الوطنية كأساس لبناء الدولة ومؤسساتها القائمة على النزاهة والاحتراف.

لقد اختار العراقيون العراق، وانتخبوا أصحاب المشروع الوطني العراقي الذي يحفظ سيادة البلد وكرامة الناس ويحميهم من ذل الحاجات الحياتية التي حرموا منها قسرا.

* الرئيس الأسبق للحكومة العراقية وزعيم القائمة العراقية