محمد عبدالله محمد

لغاية اليوم (الخميس) يُكمِل العراقيون 138 يوماً على انتخابهم نُوّابهم. هذه الفترة المُمتدة توزّعت أيامها ما بين ادّعاءات بالتزوير، وتجيير لمؤسسات دستورية ضد خصوم وحلفاء بالسّواء (المحكمة العليا مثالاً)، وتسخير لمؤسسات أمنية واستخباراتية تُجهِزُ على ما لَمْ تستطع فِعله باقي المؤسسات (الاغتيالات في صفوف العراقية مثالاً).

وتوزّعت أيضاً على قيم أخلاقية هابِطة تمثّلت في بيع وشراء ذمم، وتكوين تحالفات سوداء ضد ومع وحول قضايا التشكيلة الحكومية التي كان يُمكن أن تتمّ دون اعتبار لأيٍّ من تلك التحالفات الغريبة ليس على الديمقراطيات (إنّ صحّ أن هناك ديمقراطية) فقط وإنما حتى على الأنظمة المترنّحة على مستوى البناء البيروقراطي، والمُعابَة في هيئتها كدول شائخة.

أسمع ما بين الفينة والأخرى همساً من هذا الفريق السياسي أو ذاك في الداخل العراقي. المجلس الأعلى يُفضّل الجعفري على المالكي، لكنه يُفضّل الجلبي على الجعفري. والصدريون يُفضّلون الأخير على المالكي وعبدالمهدي وعلاوي، لكنهم يُفضّلون أيضاً جعفر الصدر على الجعفري. والأكراد لا يرغبون بالجميع إلاّ لمن يُومّن لهم مصالحهم، ويُسوّي لهم مشكلة كركوك وقضايا التطبيع في هذه المدينة الغنية بالنفط.

لكن الغريب من بين كلّ أولئك الفرقاء هو ما تقوله وتُصرّ عليه قائمة ائتلاف دولة القانون. فهي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلّم ولا تتحسّس ولا تشمّ ولا تؤمن إلاّ بنوري المالكي رئيساً للوزراء. بل هي مُستعدّة لتقديم أيّ تنازل في سبيل حصولها على ذلك الموقع الذهبي في قوس الدولة العراقية ما بعد الاحتلال.

وهو إنّ دلّ على شيء فإنما يدلّ على ما يتمتّع به ذلك المنصب من صلاحيات هائلة لا تُقدّر بثمن. فحين يُوافق المالكي على منح الصدريين الذين يملكون أربعين مقعداً فقط وزارتَيْن خَدَميتين (النقل والصحة) وواحدة سيادية (النفط) وواحدة بدون حقيبة (الأمانة العامة لمجلس الوزراء) مقابل زحزحتهم للفيتو المُصوّب تجاهه، فماذا بقِي للآخرين من بقيّة التشكيلة الوزارية ممن يملكون مقاعد أكثر من الصدريين، فُرادى وجماعات؟!

لا أتصوّر مذاق السلطة بالنسبة لنوري المالكي وهو يعود إليها على جوادٍ أحنف السّاق. أعور العَين. يكبو وينهض على وَقْعِ خصومٍ لا ينتهون في ذات الشمال وذات اليمين. وعلاقات مُترنّحة مع الجوار وبالتحديد مع العالم العربي الذي هو عُمق العراق الحقيقي. كيف ستبدو السلطة ومؤسساتها بالنسبة للرجل وهو على هكذا حال مع الداخل والخارج.

إذا اعتقد نوري المالكي أنه كـ laquo;وينستون تشرشلraquo; الذي قاد بريطانيا إلى النصر في الحرب العالمية الثانية فعليه أن يعلم أن تشرشل غادر السلطة طواعية وهو يحمل ذلك الإرث. وإذا اعتقد أنه كـ laquo;شارل ديغولraquo; الذي حرّر بلاده من الاحتلال النازي، فعليه أن يعلم أن ديغول لم يكن عَصَاً على الديمقراطية الفرنسية, وإذا اعتقد أنه كـ laquo;خوريه سيمون بوليفارraquo; مُحرّر أميركا اللاتينية ومُوحّد إرثها من الاستعمار فإن الأخير لم يكن يوماً مساوياً بينها وبين استقرار بلاده.

عليه أن يفهم أن كثيرين من الزعماء تنازلوا عن السلطة من أجل بلادهم وشعوبهم بل وحتى من أجل تاريخهم السياسي والشخصي. بل إن بعضهم كان دكتاتورياً سلطوياً في حكمه. ترك نابليون الأول وشارل العاشر ولويس فيليب عرش فرنسا، وتنازل ادوارد الثامن عن تاج بريطانيا، وإيزابيلا وشارل الخامس عن عرش إسبانيا. فهل سيُسجّل التاريخ للأجيال القادمة أن رجلاً في العراق اسمه نوري المالكي تنازل هو الآخر عن السلطة طواعية في سبيل بلاده وشعبه؟ لا أدري. ربما.