وليد أبي مرشد

إذا صح ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن استعداد رئيس الحكومة الليكودي، بنيامين نتنياهو، لـlaquo;التنازلraquo; عن 90 في المائة من الضفة الغربية، وlaquo;أكثرraquo; من ذلك أيضا، للدولة الفلسطينية المقترحة، يكون نتنياهو رابع رئيس حكومة يميني laquo;ينقل البندقيةraquo; من كتف إلى كتف تمهيدا للتسوية السلمية.

عام 1978 توجه مناحيم بيغن، رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، إلى مفاوضات كامب ديفيد مؤكدا للإسرائيليين أنه لن ينسحب من شبه جزيرة سيناء المصرية ومتعهدا بأن يحزم حقيبته ويعود إلى تل أبيب في حال طُلب منه الانسحاب.. فعاد من كامب ديفيد متعاقدا على الانسحاب من آخر شبر من سيناء وموافقا على منح الفلسطينيين حكما ذاتيا في الضفة والقطاع.

آرييل شارون، أشد دعاة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدّل جذريا لهجته السياسية بعد تسلمه رئاسة الحكومة فبدأ يتحدث عن ضرورة إنهاء احتلال المناطق الفلسطينية ونفذ انسحابا أحاديا من قطاع غزة بعد أن أخلى جميع مستوطناتها من المقيمين فيها - أي جمهوره الحزبي عمليا - وهدمها عن بكرة أبيها.

وحتى إيهود أولمرت، مهندس الاستيطان في القدس الشرقية وراعيه، اقترح خلال رئاسته للحكومة الإسرائيلية، على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إقامة دولة فلسطينية تشمل القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.

أهي مجرد صدفة أن يلتقي زعماء اليمين الإسرائيلي، بكل تلاوينه، أي مناحيم بيغن وآرييل شارون وإيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو، على ضرورة تقديم ما يعتبرونه في قاموسهم المتشدد laquo;تنازلات للعدوraquo; لتأمين التسوية السلمية.. أم أن يمينية أحزاب اليمين الإسرائيلية تعاني من عقدة بنيوية يستحيل تجاوزها مع استمرار الاحتلال، هي laquo;يهوديةraquo; الدولة؟

لا جدال في أن هذا الخلل الأيديولوجي بين طروحات اليمين الإسرائيلي الدينية، من جهة، والاستعمارية (أو الاستيطانية) من جهة أخرى، يشكل أحد الدوافع الدفينة لتقبل صقور المتشددين الإسرائيليين، وإن على مضض، فكرة الانسحاب من أراض محتلة تضم شعبا مناقضا، قوميا ودينيا، لمبدأ الدولة اليهودية.. وشعبا تتزايد أعداده بوتيرة لم تعد الهجرة اليهودية إلى إسرائيل قادرة على معادلتها بعد أن نضب معينها الأبرز (الاتحاد السوفياتي السابق).

هذا لا يعني التقليل من أهمية الصمود الفلسطيني على أرض الآباء والأجداد ولا مقاومته المستمرة للاحتلال في بلورة ذهنية الانسحاب الإسرائيلية، ولا يعني أيضا التقليل من تأثير الضغوط الدولية، والأميركية بشكل خاص، في تقبل الزعامات اليمينية الإسرائيلية فكرة الانسحاب من الأراضي المحتلة.. ولا أيضا من أهمية التنازلات العربية المقابلة التي قدمتها مصر في اتفاقية كامب ديفيد والأردن في اتفاقية وادي عربة.

مع ذلك يظل ما يسمى بـlaquo;حل الدولتينraquo; حلا للدولة اليهودية قبل أن يكون حلا للدولة الفلسطينية، وتحديدا حلا يحافظ على يهودية إسرائيل ضمن حدود عام 1967 ويحصنها في وجه الخطر الديموغرافي الداهم والمتمثل في الوجود الفلسطيني المتزايد باطراد داخل حدود فلسطين الجغرافية.

وإذا جاز منذ الآن التحدث عن المنتفعين الحقيقيين من حل الدولتين (في حال التوصل إليه) فلا جدال في أن إسرائيل ستكون المنتفع الأول: ديموغرافيا؛ بتخلصها من خطر التكاثر الفلسطيني، ودبلوماسيا؛ بتجاوبها مع رغبات الأسرة الدولية وتحديدا الولايات المتحدة، وأمنيا؛ بتحقيقها شرطها الداعي إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

أما المنتفع الثاني فسيكون الأردن.. إذ إن مجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع يسقط شرعية إدعاءات اليمين الإسرائيلي المتشدد بأن الأردن هو الوطن الفلسطيني البديل.