شملان يوسف العيسى


قد يشهد الوطن العربي تحولات كبيرة بعد سقوط النظام التونسي، حيث يدور الجدل حول كيفية ترسيخ الديمقراطية. ففي السودان انتهى الاستفتاء بانفصال الجنوب، حيث يبدو أن أغلبية الجنوبيين اختاروا الانفصال. وقد برزت حركات جديدة ترفع مطالب انفصالية في إقليم دارفور، مما يعني أن السودان قد لا يستقر في الأجل المنظور. وفي لبنان ازداد الوضع غموضاً بعد إعلان وزير الخارجية السعودي بأن بلاده قررت رفع يدها عن الملف اللبناني، واصفاً الوضع هناك بالخطير. ونشير هنا إلى أن النظام اللبناني ربما يعد من أفضل الأنظمة العربية لما يتمتع به مواطنوه من حرية وحقوق مدنية وسياسية، جعلت لبنان ملاذاً للمثقفين والأحرار العرب. هذا النظام المتميز تتآمر عليه الأنظمة العربية وغير العربية، لأنه يكشف واقعها الاستبدادي وتوجهاتها الشمولية. ولأنه استطاع استثمار مزايا التنوع والاختلاف لمصلحة شعبه واستقرار وطنه، فهو يتعرض اليوم للتآمر والعرب يتفرجون!

وفي العراق استمر مسلسل العنف والإهاب، لاسيما ضد مواكب الشيعة المتجهين إلى كربلاء. كما يشهد العراق، ومعه مصر كذلك، عنفاً دينياً غير معهود ضد الأقلية المسيحية المسالمة في كلا البلدين، مما يهدد النسيج الاجتماعي الوطني ويعرضه للتمزق.

والمظاهرات التي برزت في كل من موريتانيا والجزائر وتونس ومصر مطالبة بإيجاد الوظائف وتحسين المعيشة، رافقتها بعض المشاهد المؤلمة من حرق أشخاص لأنفسهم احتجاجاً على تردي الأوضاع في بلدانهم.

والسؤال: ما هي أسباب التردي العربي؟ وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟

لا يتسع المجال هنا لذكر كل الأسباب، لكن غياب الديمقراطية ودولة المؤسسات، واستمرار الصراعات الطائفية والقبلية والدينية، واضمحلال دور الطبقة الوسطى، وغياب مؤسسات المجتمع المدني... كلها أدت إلى الأزمات الحالية في الوطن العربي. وحتى بالنسبة لدول الخليج العربية التي حظيت بثروة نفطية، فهي أيضاً تعاني من مشاكل اجتماعية، لأن تطورها الاجتماعي لم يواكب تطورها الاقتصادي، فلا تزال الروح القبلية والطائفية تلعب دوراً في انتخابات المجالس المختلفة في بعض الدول الخليجية، حيث أصبح الارتباط بالقبيلة والطائفة أقوى من الارتباط بالدولة، وبقي المجتمع يقاوم أي تطور ديمقراطي أو تحول فعلي نحو الحداثة، مما زاد من اعتماد quot;الدولة الريعيةquot; على العمالة الأجنبية؛ فأصبح أهل الخليج أقلية في بلدانهم. كما أن هيمنة الفكر الديني وانتشار الحركات الأصولية، أغرقا البعض في بحر من التراث والتقاليد الدينية جعلهم يرضون بمصيرهم على أنه قضاء وقدر.

وأخيراً كيف يمكن الخروج من هذا المأزق العربي؟

ظهرت بعض الكتابات التي تدعو إلى الديمقراطية وأهمية تعزيزها وترسيخها في مجتمعاتنا العربية، لكن هل يمكن نجاح الديمقراطية في مجتمعات غير ديمقراطية، بل لا تزال تعيش في مرحلة ما قبل العصر الصناعي؟

الديمقراطية برزت وترسخت في الغرب بعد الثورة الصناعية وحركة التنوير وصعود القيم الجديدة للمجتمع الصناعي، أي قيم الحرية والعقلانية والتنوير والحداثة.

هل يمكن لمجتمعاتنا تقبل الأرضية الخصبة التي تتطلب زراعة الديمقراطية في بلداننا؟ مُثُل الحرية، واحترام الآخر، ودولة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان، وفصل الدين عن الدولة... أفكارٌ يستحيل انتشارها في مجتمعاتنا ما دامت الأمية مرتفعة، والنمو السكاني بازدياد، والدخل الفردي متدنياً. لذلك ليس سراً بأن العالم العربي أصبح أكثر بلدان العالم تخلفاً في التطبيق الديمقراطي.