جاسم بودي

لا ضير في أن يذهب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى الأمم المتحدة ناقلا موضوع ميناء مبارك الكبير إلى قاعاتها، ولا ضير أيضا في لجوئه إلى القضاء لبحث أحقية الكويت أو عدم أحقيتها في بناء الميناء... فالدول العاقلة الراشدة تحل خلافاتها في إطار الشرعية الدولية أو الأطر القانونية وليس من خلال التهديد والوعيد والتلويح باستخدام القوة كما يفعل نواب عراقيون أو تنظيمات سياسية عراقية.
لن ندافع هنا عن جدوى إقامة الميناء أو عدم جدواه، ولسنا في وارد الخوض في التفاصيل التقنية والفنية والجغرافية، فلهذه الأمور مرجعيات يمكنها تسليط الضوء بشكل أفضل وأفعل. لكننا نريد التوقف عند صور ثلاث من صور الهجوم الذي لم يتوقف من قبل بعض من في العراق على الكويت، وهي الصور التي تكررت في أكثر من تصريح أو laquo;تهديدraquo;.
الأولى، إن هناك من لم ينتظر الفرق الفنية المشتركة كي تقول كلمتها، ولم يتوقف عند الإيجابيات المشتركة التي تحدث عنها أكثر من طرف عراقي وتحديدا وزير الخارجية هوشيار زيباري... بل ذهب إلى التلويح باستخدام القوة، ثم تدرج في اتجاه ضرب الشركات العاملة، ثم تدرج في اتجاه ضرب صواريخ على المنطقة التي يبنى فيها الميناء في بوبيان، ثم تدرج الى قصف مجلس الأمة ومدينة الكويت، ثم انتهى إلى أن اجتياح الكويت laquo;أمر سهلraquo;.
والثانية، إن كل من هدد باستخدام القوة ضد الكويت ارفق تهديده بمبررات عجيبة غريبة تفصل بين موقف الحكومة العراقية من جهة وبين laquo;الفصائل والكتائب المسلحةraquo; من جهة أخرى، بمعنى أوضح، قال هؤلاء إن laquo;الشعب العراقيraquo; لن يرد على حكومته التي تمثل نفسها ولا تمثله، وهو بالتالي سيتقدم عسكريا في اتجاه الكويت عبر فصائله المسلحة، ثم يمكن للحكومة أن تندد بهذا العمل وتقول إن من اعتدى لا يمثلها ولا يمثل العراقيين. أي أن هناك في العراق من يروج لوجود laquo;حكومةraquo; من جهة وlaquo;ميليشياتraquo; من جهة أخرى، تتصرف ليس استنادا إلى laquo;الشرعية الوطنيةraquo; بل إلى laquo;الشرعية الشعبيةraquo;... وفي ذلك إساءة إلى العراق والعراقيين أكثر من الإساءة إلى الكويت والكويتيين.
والثالثة، إن الذين يُصعدون ضد الكويت ينطلقون من فرضية مدمرة للعراق وللكويت في الوقت نفسه. يقول هؤلاء إن العراق اليوم هو غير العراق عام 1991، وإنه يملك اتفاقات استراتيجية مع الدول الكبرى. بمعنى آخر، يعتبر هؤلاء أن الدول الكبرى لن تمانع عملا عسكريا ضد الكويت وأن العراق بالتالي لن يضع نفسه في موقف المعزول دوليا كما حصل عام 1991. منطق يستند إلى الاستقواء بالآخر متجاوزا الجوار والمصالح والروابط المشتركة عدا عن انه ينطلق أساسا من قراءة خاطئة وفهم سطحي للعلاقات الدولية وlaquo;الاتفاقات الاستراتيجيةraquo;... ثم متى كانت الدول الكبرى جمعيات خيرية؟
نرفض الصور الثلاث ويرفضها العراقيون أيضا. لا نريد من أي كويتي أن يهدد باللجوء إلى القوة لحل أي خلاف مع العراق فهذا انتحار. ولا نريد من أي كويتي أن يُخضع العلاقة مع العراق لمنطقين، منطق وطني ومنطق laquo;ميليشيويraquo;، فالمصلحة في قيام أفضل الروابط مع العراق جامعة شاملة. وقبل هذا وذاك لا نريد من أي كويتي ان يستفز الآخرين محتميا بـ laquo;الاتفاقات الاستراتيجيةraquo; مع الدول الكبرى، فالعهود والمواثيق وحسن الجوار والتعاون الإقليمي والمصالح المشتركة هي الاتفاقات الاستراتيجية الحقيقية مع العراق.
قبل سنوات كتبت أنني لن أشعر ككويتي بالأمن والأمان والاستقرار الكامل إذا كان جاري جائعا، مضطربا، خائفا، قلقا. تأملنا خيرا، وما زلنا، بقيام نظام عراقي ديموقراطي تعددي حضاري، الكلمة الأولى والأخيرة فيه للدستور والقانون. عراق ينبذ اللغة السابقة ويرفضها ويعرف أن التهديد باستخدام القوة لن يخدمه ولن يفيد دول الجوار فضلا عن أنه سيعقد المشاكل بدل حلها.
لتذهب الحكومة العراقية إلى الأمم المتحدة. لتستند إلى القانون. لتحتكم إلى الهيئات التي تراها مناسبة. لتحل أي قضية بالحوار المباشر، فنحن مع الشرعية الدولية ومع القانون ومع حسن الجوار ومع التعاون البناء وضد كل ما من شأنه الإضرار بالآخرين... قوة المنطق أفضل من منطق القوة وأقل تكلفة على الجميع.