شيرزاد شيخاني

الضربات الإرهابية التي شهدها لبنان ( سويسرا الشرق ) وقبلها العراق وليبيا ثم مصر وليس آخرها سوريا، تدلل على أن الإرهاب بات منتشرا في المنطقة برمتها،وان مخطط الإرهابيين ليس كما هو معلن منذ نشوء تنظيم القاعدة والمنظمات التابعة لها بمحاربة الصهيونية والإمبريالية العالمية، بل الهدف الرئيس هو زعزعة أمن واستقرار المنطقة والانقلاب على الأنظمة العربية وإشاعة الفوضى والقتل وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي في بلدان المنطقة التي اتيحت لبعضها مؤخرا فرص النهوض والبناء بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية فيها.


عندما نشأ تنظيم القاعدة إبان الحرب الأفغانية كان الشباب يتطوعون للذهاب الى أفغانستان لحمل السلاح ومحاربة قوى الإلحاد والكفر الشيوعي حسب اعتقادهم، وكانت شعارات القاعدة ودعوات الجهاد في تلك الفترة تغري الشباب خاصة بعد الصحوة الإسلامية التي اجتاحت المنطقة منذ أواخر السبعينيات، ولكن اليوم معظم من ينتمون الى الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة هم من عتاة المجرمين والفارين من العدالة والشباب المغرر بهم، وهذا يتبين بوضوح من الجرائم التي يرتكبونها والتي لا تفرق بين رجل الأمن ورجل الشارع،ولا بين رجال الجيش والشرطة وبين الشيخ والمرأة والطفل وهم الضحايا في غالب الأحيان.ويتبدى ذلك أيضا بوضوح أكثر في أساليب القتل الهمجية التي يتبعونها بقطع الرؤوس بالسيوف والإعدام الجماعي للعائلات.
الإرهاب انتشر في معظم البلدان التي خرجت من تحت نير الدكتاتوريات ،أو التي تسعى حاليا للخروج منها،وما يثير الأسى هو أنه في وقت تسعى فيه الجماعات الإرهابية منذ فترة الى توحيد صفوفها، لا يزال الإنقسام والتشرذم يواجه جهود الحكومات للقضاء على تلك الجماعات.
ففي العراق تحالفت جماعة أنصار السنة مع تنظيم القاعدة،وتحالفت القاعدة مع فلول البعثيين، وفي الفترة الأخيرة توحدت جماعتا القاعدة في العراق والشام وشكلتا منظمة موحدة باسم (داعش)، وأثمرت عملية توحيد هذه المنظمات عن إحراز تقدم مهم في طبيعة عملياتها الإرهابية واختراق الأجهزة الأمنية والإستخبارية للعديد من الدول، حتى باتت أيادي هذه المنظمات تصل الى مناطق كانت مغلقة لفترة طويلة وعصية على الاختراق،ومكنت وحدة التنظيمات الإرهابية من تغيير اسلوب مواجهاتها مع الأنظمة والحكومات حتى أصبحت قادرة على الهجوم على المراكز الأمنية واحتلالها وكذلك الهجوم على مراكز التسوق وأخذ الرهائن وفرض شروطهم على الحكومات.
بالمقابل لاتزال الحكومات في المنطقة تدور بحلقة مفرغة لجهة توحيد جهودها لمواجهة الإرهاب، ولاتزال الدعوات التي تطلق هنا وهناك بضرورة عقد مؤتمر دولي أو حتى إقليمي لوضع آليات قوية ورادعة لمواجهة المتطرفين الإرهابيين تواجه بالإهمال من حكومات المنطقة المبتلية بآفة الإرهاب.
إن الإرهاب أثبت أنه لا حدود لعملياته ونشاطاته الإجرامية،وفي ظل انعدام الرادع القوي فإنه سيظل يهدد أمن وحياة المواطنين في جميع أرجاء المنطقة،وهو بالطبع لا يفرق بين السني والشيعي، ولا بين المسيحي واليزيدي،ولا بين المواطن المتدين والمواطن العلماني، الكل مستهدف سواء عن سابق تصميم وترصد، أو من خلال القتل العشوائي.
إن الخلافات السياسية، أولا بين الحكومات والأنظمة الحاكمة في المنطقة،ثم الخلافات بين القوى السياسية الداخلية، وأخيرا الخلافات الطائفية والدينية هي بالأساس العامل الذي يغذي الإرهاب، فضلا عن وجود نوع من التعاون بين قوى سياسية محلية وتلك المنظمات الإرهابية على سبيل تصفية الحسابات أو الثارات الطائفية،ما يسهل على الإرهابيين أن يوجهوا ضرباتهم الموجعة، وعليه فقد آن الأوان للحكومات أن تجتمع على طاولة مستديرة لتوحد جهودها لمحاربة الإرهاب واستئصاله، ومن دون ذلك فإن مسلسل العنف سيستمر الى ما لا نهاية والمواطن البسيط هو الذي يدفع ضريبته بالدم..