حسين شبكشي

منذ سنوات ليست بالقليلة كنت في لقاء مع رجل الأعمال المتألق محمد العبار في دبي بالإمارات العربية المتحدة ووُجه إليه سؤال وقت كانت بيروت ورشة عمل واعدة وعملاقة يقودها الفذ الراحل رفيق الحريري بجد واجتهاد جاذبا إليها المال والناس، وكان السؤال laquo;ألا تخشى دبي من عودة بيروت قوية وأن تكون العودة على حساب دبي، فتخطف منها الوهج والبريقraquo;؟ فما كان من محمد العبار سوى الرد بهدوء شديد وثقة عالية جدا: laquo;على العكس جدا؛ نحن نرحب بعودة بيروت قوية وجذابة لأنها بذلك ستملأ فراغا مطلوبا في العالم العربي لن تستطيع عمله إلا بيروت، أما دبي فنحن في منافسة مع هونغ كونغ وسنغافورة ولندن ونيويورك وباريس وطوكيوraquo;. ولم يستوعب السائل إجابة محمد العبار واعتبرها بسذاجة وسطحية أنها غرور وتكبر ونكران لمكانة بيروت التاريخية وأهميتها الإقليمية، ومرت الأيام لتبين أن حلم رفيق الحريري لم يكتب له أن يرى النور لأن بشار الأسد وحسن نصر الله وزبانيتهما كانت لهم نوايا ورغبات أخرى تحرص على أن تحول لبنان من laquo;باريسraquo; الشرق إلى laquo;قمraquo; العرب وقد كان لهم ذلك. أما دبي فاستمرت على التطور والتعليم والتعلم، فها هي الآن تطلق مشروعا استباقيا غير معهود من قبل وهو الإعلان عن برنامج النجوم لكافة الدوائر الحكومية بحيث يتم تقييمها (على مستوى الدولة) بنفس تقييم المؤسسات الخدمية الفندقية بعدد النجوم بحسب الكفاءة والجودة المقدمة. ولقد تعهد الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي أن تقدم قطاعات الحكومة مستوى مميزا جدا من الخدمة تنافس به الفنادق في الترحيب والبنوك في دقة المعلومة وشركات الطيران في التفاعل والتأثير، وأن يكون القطاع بأكمله منافسا جديرا للقطاع الخاص وجاذبا لرضى العميل وللكفاءات البشرية المميزة جدا. هذا التفكير الإبداعي والاستباقي هو الذي جعل دبي قصة نجاح استثنائية في فترة زمنية قصيرة جدا من العمر، وباتت اليوم الخيار الأول للهجرة والإقامة والعمل للكثير من العرب المقتدرين الذي اضطرتهم ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية لمغادرة بلادهم والاستقرار في دبي. وطبعا ذات الحديث ينطبق على مهاجرين من إيران والهند وباكستان ودول أوروبية، حتى أصبحت دبي نقطة laquo;جذب عالميةraquo; بامتياز. والمرحلة القادمة هي مرحلة تشكيل دبي الكبير لتكون المدينة العالمية الكبرى Global Metropolis مكتملة الهوية العالمية، بحيث يشعر أي مواطن من أي بقعة من الكرة الأرضية حين وصوله إليها بأنه في منزله الثاني، وهو إحساس تقدمه لندن وهونغ كونغ وسنغافورة ونيويورك على سبيل المثال. الخطط الموضوعة لتطوير دبي تشمل المطار الجديد الذي سيجري افتتاحه العام القادم، والمستشفيات والجامعات والمدارس الجديدة، وسلسلة الشوارع والطرقات والأسواق الجديدة، والمباني السكنية، والتسهيلات في الإجراءات الرسمية الخاصة بالعمل والزيارة، وجميعها على الورق الآن وتم إجازتها وهي من وحي الخيال وستزيد من مكانة دبي كنقطة جذب ذات أولوية ومميزة وستزيد طبعا من تكلفة المعيشة في دبي، وهي ضريبة فورية تأتي مع من يطلب هذه النوعية من المكانة المميزة التي لها ثمن ولها أيضا تكلفة.

دبي لم تعد مقصدا للمعيشة والسياحة رخيصا ومتدني التكلفة ولكنها مدينة مميزة تمكنت في سنوات قليلة من أن تكون laquo;ضربة معلمraquo; في التخطيط والإدارة والتنفيذ فباتت مضربا للمثل. إنها قصة laquo;الممكنraquo; من خلال التفكير في laquo;اللاممكنraquo; وهنا يمكن التحدي الاستثنائي!