صالح القلاب

يرى البعض ومن بينهم بعض المسؤولين في أوروبا والولايات المتحدة وبعض العرب أيضا أنّ هذه المعارضة السورية المتعددة المشارب والاتجاهات غير قادرة وغير مؤهلة لأن تجنب سوريا أوضاعا كالأوضاع التي انتهت إليها ليبيا وربما أسوأ كثيرًا إنْ أُزيح بشار الأسد فجأة وفي هذه الظروف والأوضاع الإقليمية المربكة، وهذا كما يبدو هو الذي يجعل الرئيس الأميركي باراك أوباما مترددًا على هذا النحو وغير قادر على اتخاذ خطوة جريئة تضع الأمور في أنصبتها وتخلص هذا البلد المكلوم من الدمار والقتل وشلالات الدماء المستمرة والمتواصلة منذ نحو أربعة أعوام.

وفي هذا الاتجاه فإن منسق قوات التحالف الدولي جون آلن كان قد قال في حديث هامٍّ جدًّا لفضائية «العربية» قبل أيام إن بلاده، الولايات المتحدة، ملتزمة بدعم المعارضة السورية «المعتدلة» ودعم قواتها (الجيش الحر) للدفاع عن نفسها ضد «داعش» و«النصرة» وضد نظام بشار الأسد، وهذا فهِمَه الذين يطالبون بموقف أميركي أولاً ودولي ثانيًا حاسم وحازم لإسقاط هذا النظام الدموي، اليوم قبل غد، بأنه عودة للخض العدمي في قربة قرارات مؤتمر جنيف الأول التي كانت دفنتها قرارات مؤتمر جنيف الثاني والتي ماتت وشبعت موتًا، وإنّ الله جلّ شأنه هو الذي يحيي العظام وهي رميم.

لكن يبدو، رغم هذا الذي قاله جون آلن والذي تقوله الوقائع على الأرض حيث بدأت المعارضة المعتدلة تتراجع عسكريا وبخاصة في جبل الزاوية ومنطقة إدلب الاستراتيجية فعلا لحساب «النصرة» و«داعش» وهذا التنظيم الجديد الذي يسمي نفسه «جند الأقصى»، أنه لا توجد خطة ولا يوجد قرار أميركي وأيضا أوروبي حقيقي لدعم هذه المعارضة «المعتدلة» وتمكينها من الدفاع عن نفسها ضد كل هذه التنظيمات الإرهابية وضد هذا النظام وبالتالي جعلها قادرة على فرض نفسها كقوة رئيسية على كل هذه التشكيلات المتعددة المصابة بمرض الانشطارات المتتالية وجعلها مهيأة للعبور بسوريا نحو المستقبل الواعد ودون أن تمر بتجربة مُرّة كالتجربة الليبية وأيضا كالتجربة اليمنية وكالتجربة العراقية البائسة.

والواضح، كما تسرب وجرى الحديث عنه في الأيام الأخيرة، أنّ هناك خلافًا عاصفًا داخل الإدارة الأميركية حول هذه المسألة الخطيرة والمهمة المتعلقة بمستقبل هذه المنطقة وليس بمستقبل سوريا وحدها، وأن هذا الخلاف قد يُزعزع أركان إدارة أوباما (الديمقراطية) حيث تحدثت بعض المعلومات غير المؤكدة أن وزير خارجيته جون كيري ووزير دفاعه تشاك هيغل لهما رأي غير رأيه إنْ بالنسبة إلى الأزمة السورية المتفاقمة وإنْ بالنسبة إلى كل هذه الزلازل المدمرة التي تضرب الشرق الأوسط كله، وهذا الرأي هو رأي «الجمهوريين»، كما هو معروف، الذين دأبوا على انتقاد ميوعة رئيسهم وانتقاد تردده، والذين طالبوا، وما زالوا يطالبون، بحسم الأمور السورية جذريًا وبسرعة منذ بداية انفجار الأحداث في عام 2011.

وبالطبع فإن هناك من يرى ومن يقول، ومن بين هؤلاء بعض الأوروبيين وبعض العرب، إنّ كل الحق مع الرئيس الأميركي في مخاوفه مِن أن يَسقُط نظام بشار الأسد، بينما الأوضاع في هذه المنطقة هي هذه الأوضاع المأساوية التي تمر بها الآن، وبينما واقع المعارضة السورية «المعتدلة» هو هذا الواقع الذي لا يسر الصديق ولا يغيظ العدا، وإنه من الأفضل الاستمرار بالخض في قربة جنيف الأولى انطلاقًا من أنه لعلّ وعسى أن تتوفر فرصة ملائمة لتكون هناك مرحلة انتقالية تكون مدخلا سلميا للانتقال بسوريا من هذه الأوضاع، السابقة واللاحقة، المزرية ووضعها على شاطئ الأمان وتجنيبها التشرذم والانقسام والتمزق وقطع الطريق على هذه الحرب الأهلية المتعاظمة والمتصاعدة.

فهل هذا يا ترى مقنع؟ وهل هناك إمكانية لـ«إحياء عظام مؤتمر جنيف الأول وهي رميم» ما دام أنّ من أفشل قرارات هذا المؤتمر في جنيف الثانية، التي كانت واعدة بالفعل، هو إيران وروسيا تحديدًا اللتان لا تزالان تصرّان على أن نظام بشار الأسد يواجه إرهابا وليس معارضة معتدلة وإصلاحية، وما دام أن القرار الفعلي في سوريا هو قرار قاسم سليماني وهو قرار سيرغي لافروف وليس قرار من يتابعون الأمور من مكاتبهم الوثيرة في قصور دمشق على شاشات الفضائيات ومن خلال المواقع الإلكترونية..؟!

الكل شاهد الجنرال قاسم سليماني، ومن بين هؤلاء باراك أوباما نفسه، الذي سيسجل التاريخ أنه أضعف رئيس مرّ على الولايات المتحدة منذ جورج واشنطن وحتى الآن، ومن بين هؤلاء بعض المسؤولين الأوروبيين الذين «يتلطّون»، هروبًا من أي موقف حاسم، بتردد الرئيس الأميركي، وهو، أي قاسم سليماني، يقود قطاعات من الجيش العراقي في أكثر من موقع، والكل سمع تصريحات إيرانية من أعلى المستويات والمراتب بأن هذا الجنرال هو القائد الفعلي للقوات العراقية المسلحة، والمفترض أن الأميركيين يعرفون بحكم وجودهم اللصيق في بلاد الرافدين أن هذا البلد لا يزال محتلاً احتلالاً شاملاً وكاملاً من قبل دولة الولي الفقيه، وأن مندوبها، أي قاسم سليماني، هو الذي يتخذ كل القرارات الرئيسية والثانوية في هذه الدولة التي من المفترض أنها دولة عربية، ثم أن المفترض أن الأوروبيين والأميركيين سمعوا تصريحات سيرغي لافروف التي قال فيها إن روسيا تعتبر أي عمليات وأي قصف جوي لقوات التحالف ضد «داعش» و«النصرة» في سوريا عمليات «غير قانونية»!!

لقد بات ثابتًا ومؤكدًا أن هذه الحرب المسعورة والمدمرة التي يشنها بشار الأسد ضد الشعب السوري وضد المعارضة السورية «المعتدلة» والتي يقحم في جحيمها باقي ما تبقى من أبناء الطائفة العلوية «المختطفة» هي حربٌ إيرانية من الألف إلى الياء، وهي حرب روسية أيضا، وهذا يعني، ما دام أنّ القرار في دمشق هو قرار الولي الفقيه وهو قرار فلاديمير بوتين، أنه لا أمل إطلاقا بإحياء عظام جنيف الأولى التي باتت رميمًا، وأنه لا أمل إطلاقا بمرحلة انتقالية توافقية، وهكذا، وبالتالي فإنه لا يوجد هناك أي خيارٍ آخر إلاّ خيار الإسراع في تدريب وتسليح وتوحيد هذه المعارضة المعتدلة وخيار حسم مسألة اعتبار أن نظام دمشق هو أساس الإرهاب المتفجر في هذه المنطقة، وأن المواجهة الفعلية معه يجب أن تكون في الوقت نفسه الذي تجري فيه مواجهة «داعش» و«النصرة».. وهذا يتطلب موقفًا دوليًّا وعربيًّا حاسمًا تجاه هذا التدخل الإيراني والروسي السافر في الشأن الداخلي السوري وفي الشؤون الداخلية العراقية.

غير مفهوم أن تستمر كل هذه الحرب الجوية الطاحنة في بلدة عين العرب «كوباني» المسكينة بينما يفعل تنظيم «داعش» كل هذا الذي يفعله في العراق، وبينما تتمدد «النصرة» ومَن معها ويحارب حربها كل هذا التمدد في أهم المناطق الاستراتيجية السورية.. فماذا يا ترى ينتظر الرئيس الأميركي باراك أوباما؟! وماذا ينتظر يا ترى هذا الغرب الكسيح..؟! ماذا ينتظر العرب المشاركون في هذا التحالف..؟؟.. إن الإيرانيين والروس الذين دمروا مبادرة «جنيف 1» والذين يعتبرون الحرب في سوريا حربهم، وهي كذلك، لا يمكن أن يسمحوا بهذه المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها حتى وإن أرادها بشار الأسد.. إنهم سيواصلون حربهم على هذه المعارضة السورية المعتدلة، وإنهم سيأخذون هذا البلد وهذه المنطقة كلها إلى الفوضى والتمزق إن لم تكن هناك وقفة جادة وجدية غير كل هذه المواقف الاستعراضية من قبل هذا «التحالف» الدولي ومعظم الدول المنضوية في إطاره!!