خليل الذوادي 

في مثلنا البحريني الشعبي نقول: «هذا الميدان يا حميدان» بينما أخوتنا المصريون الأعزاء يقولون نفس المثل ولكن بصيغة «هذا الميدان يا حمدان» وهو يعطي نفس المعنى والمفهوم ويعطي الدليل أننا من المحيط إلى الخليج نتبادل نفس التجارب الحياتية ونتشارك في ثقافتنا، وأمثالنا الشعبية، وهذا بحد ذاته مدعاة تفاهمنا وتعاوننا ورغبتنا في التقارب أكثر وأكثر..

مجالات كثيرة في حياتنا مطلوب منا اقتحامها والإقبال عليها متى ما توفرت الظروف وهيأت الأرضية المناسبة، وما ينقصنا هو الإرادة والعزيمة والإصرار والمضي قدما فيما نشرع فيه، فكما قيل:
إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة

فإن فساد الرأي أن تترددا
ومن هنا يوصف شخص ما بأنه صاحب قرار، بينما قد يوصف شخص آخر بأنه ليس بصاحب قرار، فترى كم مرت في حياتنا ظروف ترددنا في اتخاذ القرار المناسب فندمنا وكم مرة مرت في حياتنا ظروف فاتخذنا القرار المناسب والصائب فأدخلنا على أنفسنا الراحة والطمأنينة ونلنا النجاح وربما التفوق وما ينطبق على الأفراد قد ينطبق على البلد أو ربما الأمة.


نعيش الآن في مجتمعات من حقنا أن نقلق على مستقبل أبنائنا وأحفادنا ونتساءل فيما بين أنفسنا هل من حقنا أن نتخذ لهم ما نعتقد أنه يناسب من قرارات؟! أم أن مسؤوليتنا تنحصر فقط في تهيئة الظروف والإمكانيات ونجعلهم يتخذون القرارات المناسبة لهم؟!
لنؤجل الجواب عن هذا السؤال المحير والكبير قليلا لنعود إليه مرة أخرى. لطالما سمعت وبالتأكيد أنتم سمعتم من آبائكم وأجدادكم ذلك القول الذى ما برحوا يرددونه على مسامعنا ليلا ونهارا حيث كانوا يقولون لنا: «نحن الآن نعمل من أجلكم ومن أجل خيركم وسعادتكم فيما تبقى من عمرنا وما نرجوه من الله سبحانه وتعالى هو أن يمنحنا الصحة والعافية لنتم رسالتنا ونوصلكم إلى بر الأمان، وعليكم أن تشقوا الحياة من بعدنا بكل إصرار وعزيمة فيما يعود عليكم وعلى أسركم بالخير»، وكانوا يذرفون الدموع بعد أن ينهوا هذا الكلام، ولا نملك إلا أن نقول لهم: «بعد عمر طويل إن شاء الله».


فعلا أولئك الآباء والأجداد كانوا يقلقون على مستقبلنا، والروح الشرقية عندهم كانت عالية فهم يؤمنون بأن رسالتهم لا تنتهى إلا عندما يطمأنون على أننا أصبحنا رجالا ونساء قادرين على أن نتخذ القرارات الصائبة لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا. فترى كم من القرارات اتخذوها وكانت صائبة وكم من القرارات اتخذوها وكانت خاطئة؟! الله أعلم ولكنهم قطعا كانوا أصحاب نية صادقة وأمينة والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالي.
ونعود إلى سؤالنا الأول فبالتأكيد أن الظروف الحياتية والعلمية والتعليمية قد تغيرت في أيامنا، وباتت الأمور تحسب بحسابات دقيقة جدا، وربما علمية الطابع بالقياس الكمي والنوعي، وباتت الإحصائيات والأرقام والتوقعات المبنية على حساب الرياضيات والفيزياء والكيمياء والطاقة الذرية والنووية، والنانو ثانية nanosecond على رأي واستنتاجات العالم المصري العربي الكبير الراحل أحمد زويل صاحب نوبل يرحمه الله، وربما يحلو للبعض أن يقول إنه لم تعد الأمور تبني على «الصدفة».


نحن طبعا كمسلمين نؤمن إيمانا مطلقا بالمقادير ولكن بالمقابل نحن مأمورون بإعمال العقل والتفكير بأقل مخلوقات الله شأنا إلى أعظمها قدرا ومنزلة مصداقا لقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين) صدق الله العظيم «سورة البقرة: الآية 26» وبالتالي علينا أن نأخذ بأسباب العلم والمعرفة ونهيئ الظروف والملابسات والمعطيات لنبني حياتنا على الإرادة القوية والعزيمة الصلبة.


ولكي نطور بلداننا وأنفسنا وننظر بعين الصقر لمستقبل أبنائنا علينا جميعا أن نبذل الجهود المتكاتفة حكومات وشعوب ومجتمع مدني للبناء والتعمير وأن نأخذ بأسباب العلم. وهذه تبدو أمورا بديهية في زماننا لكننا بالمقابل علينا أن نبني في شخصية الأبناء حب العلم والمعرفة والاعتماد على النفس وتقبل الأعمال وإن كانت بسيطة لكنها تعتبر بداية لكل شيء فلو ألقينا نظرة فاحصة على أولئك الشخصيات التى أصبح لها شأن يذكر فإننا سنرى أن أغلبهم بدأوا حياتهم بأعمال بسيطة، ولكنهم بعزيمتهم وإصرارهم وحرصهم على النجاح والتفوق استطاعوا أن يكونوا أنفسهم ويحققوا ما كانوا يصبون إليه بجدهم واجتهادهم ومثابرتهم.
إننا نأمل أن نتيح المجال لشبابنا للإبداع والتفوق ومن واجبنا أن نذلل الصعاب ونواجه التحدي وهى رسالة وطنية لابد لنا من القيام بها عندئذ يمكننا أن نقول لهؤلاء الأبناء «هذا الميدان يا حميدان أو حمدان».
وعلى الخير والمحبة نلتقي،،،