محمد الساعد

مساء السبت القادم سيتناول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في قصر الدرعية شيئا من الجريش والقرصان النجدية، وبعضا من الأرز العربي المطهو بالبهارات المحلية، ويشرب القليل من اللبن العربي، بعدما ترجل من طائرته الرئاسية قادما من واشنطن.

إنها أكثر من 80 عاما، حفلت بعلاقات متشابكة، مرت بكثير من التواؤم والتحالف والانسجام، وأيضا بتعقيدات واختناقات ضمن دروب السياسة والاقتصاد والتسليح، فككتها القناعة الكاملة لدى الطرفين بمحالة الانفصال وحتمية الاتفاق.

لعل قطيعة البترول العام 1973 التي تلت الحرب العربية على إسرائيل، والعلاقة مع الرئيس أوباما تحديدا، كانت أدق المراحل بين العاصمتين وأكثرها خطورة، إلا أن الصبر والحكمة والدبلوماسية الماهرة في الرياض كانت قادرة دائما على تحويل الأزمات إلى نجاحات.

السعودية ستحتفي بالرئيس القادم من واشنطن أيما احتفال، وسيكون المشهد غير مسبوق، ومخالفا تماما للعلاقة مع الرئيس السابق باراك أوباما، الذي لم يحظ برضى الرياض ولا ثقتها، بل كانت العلاقة معه في أسوأ حالاتها نتيجة لمواقفه وإدارته المرتعشة في الشرق العربي.

زعماء دول إسلامية وعربية وخليجية يتوافدون على مطار العاصمة الرياض، ليتمكنوا من لقاء الرئيس الأمريكي وإجراء محادثات مباشرة معه ومع طاقم إدارته، ولكن عبر بوابة قصر الدرعية هذه المرة، يا لها من سابقة ومن عودة كبيرة للسياسة السعودية إلى المشهد الدولي، بعد ثماني سنوات عجاف.

تقف الرياض اليوم وهي تتبنى النزعة الهجومية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، فالملك سلمان الذي يقود بلده نحو مئة عام أخرى، زار واستقبل خلال سنتين من توليه عرش البلاد عشرات البلدان والزعماء، واستطاعت الرياض أن تتمدد في عمق أفريقيا وشرق آسيا، وأن تسترد اليمن والبحرين والبحر الأحمر، من محاولات الهيمنة الإيرانية، هذا فضلا عن عودة نفوذها في أوروبا وأمريكا خدمة لمصالحها العليا.

موقف الرياض خلال الخريف العربي كان مثيرا للإعجاب، فقد تفادت العاصفة واحتوتها، ثم تلتها بسياسة هجومية، كان أولها في البحرين على يد الملك عبدالله والأمير نايف، مرورا بتأييد ثورة المصريين في 30/‏6/‏2013 واستعادة أرض الكنانة للحضن العربي، وليس انتهاء بعاصفة الحزم، وتأكيد الزعامة السعودية دوليا وإسلاميا وعربيا على يد القيادة السعودية الحازمة التي يديرها الملك سلمان ومن ورائه ولي العهد، وولي ولي العهد.

لكن أي سر وراء زيارة ترمب للسعودية أولا..

ضمن «بروتوكولات» البيت الأبيض المعروفة، عادة ما يقوم سيد البيت الأبيض الجديد بإجراء أول اتصال هاتفي له بقصر اليمامة في الرياض، كونها الحليف الأوثق عربيا وإسلاميا، وأن تكون أول زيارة خارجية له لتل أبيب، باعتبار إسرائيل الحليف الأوثق والأقرب غربيا.

اليوم تتبدل أولويات واشنطن الإستراتيجية، وأصبحت تعي أن السعودية لا يمكن استبدالها أو تهميشها، كما حاول هواة البيت الأبيض طوال الفترتين الرئاسيتين السابقتين، فالدولة التي صمدت أمام وحشية «الشرق الأوسط الجديد»، والحروب غير المسبوقة التي رافقتها، أكدت أن بدو الصحراء أصلب مما يتوقعون، وهم أحلى من العسل الصافي إذا حالفتهم، وسم زعاف إذا عاديتهم.

الرياض ستكشف يومي السبت والأحد أنها عاصمة للعالم، فليس بالأمر العادي، ولا المسبوق، أن يجتمع زعيم أقوى دولة غربية مع أهم قادة العالم العربي والإسلامي تحت سقف واحد، ويناقشون أجندة واحدة، إنها رسالة واضحة لمن يقرأ تبدل المشهد الدولي، تقول بالخط العريض، إن سيدة القرار في العالم لا تزال واشنطن، العاصمة المتوجة في الشرق الأوسط هي الرياض، وهي من تحج إليها السياسة، وعلى يديها يتم صنع السلام والحرب إن حتم الأمر.