صفوق الشمري

لا يوجد لدينا من يمكن أن نسميه فيلسوفا، وهذا ليس عيبا لأن الفلاسفة العظام عملة نادرة، لكن على الأقل نبحث عن مفكرين كبار، الآن الساحة تعج بالمثقفين لكن لا أرى مفكرين

«أنا أفكر إذن أنا موجود» رينيه ديكارت فيلسوف فرنسي (أبو الفلسفة الحديثة)
يقول جورج بيركيلي عبارته الشهيرة «لكي تكون يجب أن تكون محسوسا (مؤثرا)، وفي عبارة أخرى إذا سقطت شجرة في غابة ولم يكن حولها من يسمعها، فهل تصدر صوتا؟». 
الأمة تحتاج المفكرين والفلاسفة كحاجتها للغذاء والماء، وليس حاجة معنوية أو نظرية فقط كما يعتقد البعض بل حاجة عملية اقتصادية سياسية لكي تنجح الأمة وتؤثر في نفسها ومستقبلها وفي البشرية.
في كتاب التفكير لكي تعيش: التعليم وثروة الأمم يقول الكاتبان «المستقبل الآن بيد المجتمعات التي تنظم نفسها للتعليم.... الأمة التي تريد دخلا عاليا ونسبة توظيف كاملة يجب أن تطور سياساتها للتأكيد على اكتساب المعرفة ومهارات التفكير للجميع، وليس فقط فئة معينة»، كلما زاد عدد مفكري الأمة زاد نفوذها وقوتها ومستواها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. 
لماذا المملكة تحتاج في هذه الفترة إلى مفكرين وفلاسفة، لأنها في مرحلة مفصلية جديدة، لا نبالغ إن قلنا إنها السعودية الجديدة بكل مكوناتها، وهذا عرف عالمي، وعبر التاريخ كل أمة أو ثورة أو مرحلة جديدة في حياة أمة تحتاج مفكرين، منذ عهد اليونانيين القدماء الذين كانوا في أوج عزهم، وظهور الأب الروحي وأعظم الفلاسفة أرسطو، وكان هو معلم الإسكندر الأكبر (المقدوني) ورغم أن البعض يرتبه بعد أستاذه أفلاطون، لكن بل شك هو الأعظم تاريخيا.


عندما نذهب شرقا ما هي الفلسفة والعظمة الصينية بدون كونفيشيوس، الفيلسوف الصيني الأعظم، الذي وصل إلى حد التقديس، إذا تمعنا في عهد ازدهار الحضارة الإسلامية كان هناك أعظم فلاسفتها ومفكريها مثل ابن سينا وابن رشد وابن خلدون، إذا ذهبنا غربا إلى الثورة الفرنسية التي أنشأت أسس العالم الغربي الحالي نجد أن الأثر الأكبر لأفكار ومبادئ الثورة ينبع من فلسفة وأفكار الفيلسوفين فولتير وجان جاك رسو. حتى في العصر الحالي بغض النظر عن الأفكار اليمينية أو اليسارية، أميركا بعظمتها الحالية، أصبح مثل العرف، يذهب السياسيون لكي يستشيروا المفكر الداهية هنري كسنجر، بينما اليساريون يتبعون أفكار الفيلسوف نعوم تشومسكي، بريطانيا كيف تتصور نفسها بدون فيلسوفها الكبير الراحل بيرتراند راسل، وكيف للفرنسيين أن يذكروا أفكارهم ونقاشهم بدون ذكر اليان باديو رغم ماركسيته، والألمان يقدرون جدا أفكار يورغن هابرماس. 
لا أريد أن أدخل القارئ في الفرق بين المفكر والفيلسوف، لكن للتبسيط الفيلسوف هو أعلى درجة من المفكر، والمفكر هو أعلى درجة من المثقف، لذلك الفيلسوف هو أعلى الدرجات، وستجد تعاريف عديدة للفيلسوف أو المفكر، لكن تعريفي الخاص المتواضع هو أن الفيلسوف من يملك آلة السفر عبر الزمان والمكان بأفكاره ومعتقداته وقيمه، فما زال العالم إلى الآن يناقش أفكار أرسطو وإيمانويل كانت وميكافيلي المظلوم وديكارت وجون لوك فلهم قدرة على زرع أفكارهم عبر التاريخ وعبر الأمم والأجيال، وعلى التنبؤ بالمستقبل، وهذه من أهم صفات الفيلسوف حتى تكون فلسفته عابرة للأزمنة والأماكن. هؤلاء الفلاسفة إرث وكنز للحضارة البشرية وتطورها.
نرجع لسؤالنا الذي طرحناه في العنوان هل لدينا مفكرون وفلاسفة في المملكة؟ 
الآن الساحة الثقافية والاجتماعية تعج بكتاب الرأي والمثقفين والمتعلمين لكن للأسف لا أرى مفكرين، وكما تقول الينور روزفلت «العقول العظيمة تناقش الأفكار والعقول العادية تناقش الأحداث، أما العقول الصغيرة فتناقش الأشخاص»، للأسف كثيرٌ ممن هم في الساحة حاليا عقول عادية أو صغيرة ويوجد فقر وأنيميا في نقاش الأفكار.