-أوّل من أنشأ غرفة للـ”فار” هي المرأة المصريّة!. كل النساء يتشكّكنَ في أزواجهن، مرّة في السّنة على الأقل!. هذا التشكّك قاد المرأة المصريّة للجملة الشهيرة، تبوح بها للمقرّبة منها: “يا اختي.. الفار بدا يلعب في عِبِّي”!. كل تشكيل الكلمة الأخيرة قائم على “الكسر”!. فإذا ما تأكّدَتْ من الأمر، انتقلت “الكسور” إلى رأس وأضلع الزوج!.
-ليس “الفار” هو الكائن الوحيد في الجملة المصريّة، كثير من الحشرات والحيوانات ترتع في الأمثلة: “صرصور وِدْنِي”، “اللي تخاف من العرسة ما تربِّيش كتاكيت”، “حَيَّة من تحت تِبْنْ”، “الشّاطرة تغزل بِرِجْل حمار”، “زي القُطط بِتَاكُل وتِنْكِر”، “دِيل الكلب عُمْرُه ما يِتْعِدِلْ”، وطبعًا “القِرْد في عين أُمُّه غزال”، هذا فقط ما أتذكّره الآن!. ولا أريد أن أُطيل، بل أريد تخفيف هذا الحِسّ السّاخِر، للدخول في موضوع أهم!.
-مثلها مثل نظام كُرَة القدم:
كثير من القناعات، والآراء الثابتة، والمفاهيم، والمواقف، عند كل إنسان، تحتاج منه العودة إلى غرفة “الفار”!. وللابتعاد عمّا يُمكن لكلمة “الفار” استدعاؤه من صورة ساخرة، بسبب تشابه الحروف مع كائن مُحتَقَر وبغيض، نبتعد عن كُرة القدم قليلًا، ونروح لكرة المَضْرِب، حيث الكاميرا التي تؤدّي نفس الغرض تُسمّى “عين الصّقر”!.
-أيًّا كانت التّسمية، فإن العودة إلى “كاميرا” ما، ينقصنا فعلًا!. لا.. لا..!، العودة لغرفة “الفار” أقرب لما أريد قوله، لأنّ “عين الصقر” في كرة المضرب تقطع الشّكّ باليقين، بما لا يُمكن للحَكَم “الإنسان” التّدخّل فيه بعد ذلك!. أمّا غرفة “الفار” في كرة القدم، فإنّها ومهما كشَفَتْ وبيَّنَتْ، إلّا أن الحُكْم والقرار يظلّ مرهونًا برؤية الحَكَم وتقديره!. لا يزال هناك شيء من “الإنسانيّة” بمزاياها وبعيوبها موجودًا في نهاية المَطَاف!. كل واحدٍ منّا بحاجة لتهيئة غرفة “فار” في رأسه، والعودة إليها في كثير من الأمور!.
-عَمْدًا، لم أكتب “الرجوع”. وقَصْدًا، كتبتُ “العودة”!. لأنّ الرجوع بالزمن مستحيل، فما جرى قد جرى!. لكن العودة ممكنة، فعبر الذّاكرة، نقدر دائمًا على استعادة المشهد، والفرق بين الرجوع بالزمن وبين العودة إليه، أننا من خلال العودة، نرجع نعم، لكن نرجع محمّلين بكل خبراتنا وأحاسيسنا التي اكتسبناها بعد الحدث المرجوع إليه، بما يجعله حدثًا جديدًا، يُمكن لنا قراءته من جديد والنظر إليه بعيون لم تكن لدينا من قَبْل!.
-الرجوع تكرار. العودة تكرير!. يتقاربان شكلًا ومعنى، لكن التكرير: تَصْفِيَة، تَطْهِير، تَنْقِيَة!.
-السؤال: وما الفائدة؟! طالما أنّ الذي صار صار، والذي جرى جرى؟! هل تتغيّر النتيجة؟! والجواب: نعم!. أظنّ: نعم، تتغيّر!.
-من قال إننا لا نستطيع تغيير النتيجة؟!. النتيجة النهائيّة لم تُكتَبْ بعد، وهي لن تُكتب قبل رحيلنا عن هذه الدّنيا. لذلك نعم، يُمكن لنا تغيير النتيجة، كما يمكن لنا تغيير الخطط والأساليب، والأفكار، والنهج، والرؤية، وستتغيّر المشاعر والأحاسيس، بِناءً على كل ذلك!.
-يُمكن لنا مُسامحة أنفسنا على كثير من الهفوات والأخطاء السابقة، تلك التي تُثقِل علينا، ونحاول مخاتلتها والتحايل عليها دون جدوى!. ربما لو رجعنا لغرفة “الفار” لاكتشفنا أننا لم نكن على خطأ في كثير من المواقف!. كما يمكن لنا مسامحة الآخرين، أو الاعتراف لهم بـ”أهداف” صحيحة، أنكرناها عليهم، لعدم وجود غرفة “فار” في رؤوسنا حينها!. يمكن لنا أن نعيش حياةً أهنأ، وبمحفّزات إيجابيّة أثرى، وبقوّة أكبر، فيما لو عُدنا لمواجهة أفكارنا وأحاسيسنا وطريقتنا في الحياة عمومًا!. نعم قد نكتشف أنّ عددًا من “أهدافنا” لم تكن صحيحة!، وقد يحزننا ذلك، لكن مثل هذه الأحزان مُضيئة، وهي خير من أن نكتشف الأمر بعد ألا يكون لنا من الأمر شيء!.
-ليست لديّ مشكلة مع المعترضين، ومع من لا يرون في كلامي هذا معنى وقيمة ومنفعة، مشكلتي مع كل واحد يقول: “صحيح” ثم يُكمِل: “يا ليت فلان يرجع لغرفة الفار التي في رأسه”!. دعك من فلان!، هذا الكلام الذي كتبتُهُ يخصّني. هذا الكلام الذي قرأتَهُ يخصّك!.