في العام 1996م أنشئت منظمة شنغهاي وهي تحمل الرمز (SCO) وهي تضم حالياً ما يوازي نصف سكان العالم تقريباً، ومن اللافت للنظر أن إيران أصبحت عضواً في هذه المنظمة بعد دعم كبير ساهمت فيه الصين وروسيا لرؤية إيران جزءاً من هذه المنظمة الدولية التي يشكل وجودها اليوم منعطفاً جديداً في المسيرة الدولية، ومع حداثة هذه المنظمة إلا أنه لا يمكن إغفال تطوراتها المستقبلية وأنها بالتأكيد لديها أهداف كبرى تسعى إلى تحقيقها، عملياً الصين تقود هذه المنظمة بجانب روسيا وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان والهند وباكستان وإيران، ويبدو أن أروقة هذه المنظمة مرشحة لدخول مزيد من الدول، وقد تفاجئنا الأيام المقبلة بدخول دول شرق أوسطية أيضاً.

أهداف منظمة شنغهاي تركز بشكل كبير على التعاون المفتوح في مجالات كثيرة وتسعى المنظمة إلى تعزيز سياسة حسن الجوار بين الدول الأعضاء في المنظمة عبر فتح مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، كما تركز أهداف المنظمة على مواجهة التكتلات الدولية، وهي تدعو بشكل صريح إلى العمل الدولي الهادف إلى إقامة نظام ديمقراطي دولي عادل، ولا تخفي المنظمة أهمية التعاون الأمني بين أعضائها ومركزية هذا الجانب مع التركيز الثانوي على التصدي للمشكلات الدولية الكبرى مثل محاربة الإرهاب والتطرف وتجارة السلاح، ولكن من المهم الإشارة إلى أن دور المنظمة مازال محدوداً ولكنه قابل للتطور المفاجئ، مع كونها تكتلاً سياسياً وجغرافياً وسكانياً واقتصادياً هائلاً، فكم من الزمن ستحتاج هذه المنظمة لكي تصبح ثقلاً في الميزان الدولي؟

هناك الكثير من الملفات الدولية التي تنتظر مساهمة هذه المنظمة، ولكن مازالت خطوط التماس بين هذه المنظمة وقضايا العالم الرئيسة لا تتقاطع بشكل مؤثر ولكن بالتأكيد أن الحرب الروسية - الأوكرانية منحت هذه المنظمة موقعاً أكثر بروزاً من حيث التأثير المحتمل، وخاصة أن دول المنظمة أصبحت تنظر إلى نفسها كبديل عالمي أو على الأقل كبديل موازٍ لتكتلات دولية مثل حلف الناتو، ويبدو أن هذا الاتجاه الاستراتيجي للمنظمة يخولها لتحقيق شيء من أهدافها المستقبلية، فهي منظمة تستحوذ على ما يقارب من نصف سكان العالم وتستحوذ على بقعة جغرافية هائلة عالمياً، وتقودها الصين الدولة القادمة اقتصادياً والتي من المتوقع أن تقود العالم اقتصادياً خلال سنوات قليلة مقبلة.

من المهم ملاحظة أن السلوك السياسي لهذه المنظمة لا يبدي أي شكل من الاندفاعات السياسية، ومن الواضح أن هذه المنظمة تعيش مرحلة التأسيس، وهي تتأثر كثيراً بالسياسات الصينية التي تعتمد الهدوء والنفس الطويل وتحقيق الإنجازات التراكمية، ولكن المستقبل ينبئ عن دور فاعل سوف تؤديه هذه المنظمة في التوازنات الدولية عبر تناسب طردي بين تطورات الصين وتقدمها الاقتصادي والسياسي وبين فاعلية هذه المنظمة التي يرى الغرب - وخاصة حلف الناتو - أنها تنبت بشكل لافت للنظر في محيط الحلف وقريب من دوله، ومع أن معطيات التوافق في منظمة شنغهاي لا تتماثل ومعطيات التوافق في حلف الناتو إلا أن ذلك لا يمكن أن يقلل من إمكانية حدوث تطورات مهمة في بنية هذه المنظمة التي ستكون الذراع الثقيلة التي سوف تهوي بها الصين على منافسيها فيما لو تحقق الإنجاز الصيني الاقتصادي واستطاعت الصين أن تمر عبر النظام العالمي الجديد لقيادة الاقتصاد العالمي.

لا تبدي منظمة شنغهاي أي توجهات عسكرية لفرض وجودها أو تحقيق أهدافها، وكما يبدو أن القوة الغربية الصلبة قد تذوب بشكل مفاجئ أمام القوة الناعمة في هذه المنظمة، وهذا احتمال سياسي ممكن ولكن كل ذلك لا يستبعد المواجهات العسكرية، وخاصة أن تطورات الحرب الروسية - الأوكرانية تجر خلفها هذه المنظمة بالقوة، وقد يكون الشتاء المقبل منعطفاً جديراً بالاهتمام من حيث مستقبل العالم كله وليس دول بعينها، والحقيقة أن مؤتمر سمرقند كشف أن هذه المنظمة يصعب عليها اليوم أن تبتعد عن أحداث أوروبا، فتصريحات الرئيس الروسي في مؤتمر سمرقند كانت كفيلة للاعتقاد بأن هذه المنظمة تعيد تعريف نفسها بطريقة أكثر قرباً للغة مختلفة تتطلب تقييم دور هذه المنظمة بشكل حديث.

الكثير من التحليلات ترى أن منظمة شنغهاي هي الأداة المتاحة للصين وروسيا لمواجهة الكتلة الغربية، وهذا في الحقيقة يبدو تحجيماً لدور هذه المنظمة التي يمكنها أن تقلب معادلة المواجهة عبر استخدام لغة اقتصادية تلعب تأثيراً أكبر وأقسى وأهم من أي تأثيرات يمكن أن تصنعها المواجهات العسكرية، بمعنى دقيق منظمة شنغهاي تشكل اليوم زاوية حادة تستحق النظر بعمق سياسي ليس من الغرب وحده وإنما من دول العالم كله بلا استثناء، فقد تتحول قريباً تياراً سياسياً جارفاً يقود العالم عبر صناعة أقطاب متعددة تدير العالم.