لا تعد عملة البتكوين بالطبع فريدة من نوعها بين العملات المشفرة من حيث الأثر البيئي، لأن كل العملات المشفرة تستهلك طاقة وتحمل أعباء بيئية أيضا. الجدير بالذكر أن التنقيب عن عملة واحدة من البيتكوين يستغرق نحو عشر دقائق في أفضل الأحوال وأسرع الحواسيب أداء، لكن يستغرق متوسط التنقيب عالميا عن عملة البيتكوين 30 يوما مع استخدام أنظمة تقنية متقدمة وقد تطول أكثر من ذلك، بينما متوسط تنقيب عن عملة واحدة من الإيثيريوم يستغرق 7.5 يوم فقط.

ولقد قدر موقع Visual Capitalist، وهو واحد من أسرع الناشرين نموا عبر الإنترنت على مستوى العالم ويركز على الأسواق والتقنية والطاقة والاقتصاد العالمي، أن تكلفة التنقيب عن عملة البتكوين في تموز (يوليو) الماضي تكافئ ما مقداره 14736 دولارا في السعودية بصافي أرباح 5020 دولارا حسب أسعار الكهرباء العالمية.

ويظهر من الموقع الإلكتروني أن الدول التي تنعم بدعم حكومي في أسعار الكهرباء قد ضاعفت أرباح المنقبين كثيرا، ولعل التعريفة بها تكون أقرب إلى الشريحة السكنية وبالتالي تكون الربحية عالية جراء عمليات التنقيب، إلا إذا أعاقت سعة القاطع الكهربائي ذلك، مع أن الأولى أن تكون التعريفة غير سكنية.

وكما ذكرنا في مقال سابق بوجود نصف مليون نسمة تقريبا في السعودية ما بين مستثمر ومتداول، لكن لا يعلم عدد الذين امتهنوا التنقيب عن العملات المشفرة. والعامل الوحيد الذي يجعل عملة البيتكوين جذابة بشكل خاص هو العرض المحدود، حيث يوجد الآن أقل من مليوني عملة متاحة للتنقيب، بينما تم التنقيب عمليا عن أكثر من 19 مليون عملة، وبالتالي سيرتفع سعر عملة البيتكوين بمجرد الحصول عليها لقلة العرض وارتفاع الطلب.

هل يمكن أن تكون عملية التنقيب عن العملات المشفرة نظيفة وخضراء؟ وهل نستطيع التنقيب عن عملة البيتكوين باستخدام مصادر الطاقة المتجددة؟ في حقيقة الأمر، من الصعب معرفة حجم التنقيب عن العملات المشفرة المدعومة من مصادر الطاقة المتجددة بسبب طبيعة عمل العملات المشفرة في كونها لا مركزية الأداء، وأن استخدام الطاقة المتجددة للتنقيب عن عملة البيتكوين سيكون محدودا للغاية لأنها لن تكون متاحة لتشغيل منزل أو مصنع أو حتى سيارة كهربائية.

ومن وسائل التخفيف من عمليات التنقيب هو الانتقال إلى أنظمة إثبات الحصة Proof of Stake وهي بروتوكولات معينة تعمل في سلسلة الكتل وأول استخدام فاعل لها كان في عملة بيركوين Peercoin في 2012، وهي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، على عكس أنظمة إثبات العمل Proof of Work الأكثر استهلاكا للطاقة والمستخدمة الآن. ومنها تبني أسلوب الاحتضان قبل بدء عملية التنقيب، فقد أدخلت بعض العملات المشفرة، مثل عملة XRP، التنقيب المسبق لتجنب الحوسبة المهدرة. ومن بين تلك الوسائل تقديم ائتمانات أو فرض رسوم على الشركات العاملة في مجال التنقيب.

في الختام، على الرغم من التكاليف الباهظة للتنقيب عن العملات المشفرة، فلا يزال يعتقد أن الأمر يستحق الاستثمار ويغري الطامعين بشدة كما حدث أيام البحث عن معدن الذهب في قديم الزمان. إن التنقيب عن العملات المشفرة يتطلب كثيرا من الطاقة على الرغم من وجود تحديات بيئية، ولا يعني ذلك العودة إلى الأنظمة المالية المركزية مثل البطاقات الائتمانية لأن رواد العملات المشفرة لا يرغبون في ذلك. وبغض النظر عن التأثير البيئي، فإن أسعار الكهرباء تقوض ربحية التنقيب عن العملات المشفرة إلا بوجود دعم حكومي للكهرباء. ومن خلال إنشاء عملات رقمية بشكل أكثر كفاءة، سيضاعف المنقبون من ربحيتهم، مع العلم أن دمج تقنية سلسلة الكتل في الأنشطة الاقتصادية المتنوعة، يمكن أن يكون ذا أثر إيجابي في التقليل من الأعباء البيئية.