كاملا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي تتجول في أفريقيا كخامس مسؤول أمريكي يزورها خلال الربع الأول من هذا العام.

فقد زارتها في شهر يناير الماضي السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ووزيرة الخزانة الأمريكية، كما قامت السيدة الأولى جيل بايدن بزيارتها في شهر فبراير الماضي، كما زارها أنتوني بلينكين وزير الخارجية، ومن المتوقع أن يقوم الرئيس جو بايدن بزيارة خلال العام الجاري.

زيارة هاريس تستغرق قرابة الأسبوعين لعدة دول أفريقية في خطوة تعتبر مهمة نحو تعزيز وإعادة صياغة العلاقات الأمريكية الأفريقية، كما أن هذه الزيارة تأتي بعد أشهر من انعقاد القمة الأمريكية الأفريقية والتي تعهدت خلالها الولايات المتحدة بالاستثمار في أفريقيا، وتقديم حزمة مساعدات تصل إلى 55 مليار دولار.

يرى الكثير من المراقبين أن هذه الزيارات تأتي ضمن التحرك الأمريكي لمواجهة تصاعد النفوذ الصيني والروسي في القارة السمراء، خاصة مع تراجع نفوذ القوى الغربية التقليدية في أفريقيا.

فقد عززت الصين وزادت من استثماراتها في أفريقيا، وأسهمت في إنشاء مشاريع البنية التحتية وإنشاء الطرق وعملت على تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية، وتعتبر الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا، وهناك توقعات بأن يصل حجم التجارة بينهم أكثر من 260 مليار دولار خلال العام الجاري.

بعد أن كانت أفريقيا بعيدة عن النظرة والمكانة الجيوسياسية للقوى الكبرى، فقد تغيرت نظرة الدول الكبرى وبوصلتها تجاه القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، ففي منتصف العام الماضي، قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة عدد من الدول الأفريقية.

وركز في تصريحاته لكسب واستمالة القادة والشعوب الأفريقية بمخاطبة الشخصية والعاطفة الأفريقية من خلال تذكيرهم بمعاناتهم وآلامهم التي يعانون منها حتى اليوم بسبب الاستعمار والاستغلال الغربي للقارة الأفريقية في مقابل الدور الروسي الداعم للدول الأفريقية لحصولها على استقلالها وتقرير مصيرها وذلك منذ أيام الاتحاد السوفيتي.

وفي المقابل، خلال لقائها بعدد من الشخصيات البارزة وطلاب المدارس، ركزت هاريس على مخاطبة طموح الشباب وتحريك الآمال بمستقبل واعد لهم بقولها إن هناك نمواً وفرصاً وابتكاراً وإمكانيات، وأنها تمثل فرصة عظيمة ليس فقط لشعوب القارة الأفريقية بل لشعوب العالم.

ولا شك أنه في هذه المرحلة المهمة، وفي ظل الأحداث العالمية المختلفة والمتنوعة، وبروز التنافس الدولي، وإرهاصات تُشكل نظاماً دولياً جديداً، يمكننا القول إن بوصلة القوى العالمية وبعض الدول الفاعلة والمؤثرة تتجه نحو القارة الأفريقية للاستفادة والاستثمار في مواردها البشرية والطبيعية مما يعزز من مكانتها ووضعها وتقوية تأثيرها ونفوذها.

لكن من المهم أن تتغير النظرة إلى أفريقيا بالنسبة للقوى الكبرى، وحتى تكون العلاقة طبيعية ومتوازنة ومتكافئة لابد من أن تبنى وتنطلق من الشراكات الاستراتيجية والاقتصادية، وتكون قائمة على المصالح المتبادلة والانفتاح والصراحة، بالإضافة إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وإن أرادت الولايات المتحدة أن تؤتي هذه الزيارة نتائجها عليها أن تبدأ أولاً بإعادة بناء الثقة والبدء بخطوات عملية بعيداً عن الشعارات التي قد تستفز الأفارقة، وقد ذكر بعض القادة الأفارقة سابقاً أنهم لا يريدون سماع المحاضرات والخطب الغربية عن الديمقراطية وغيرها من المصطلحات الغربية بل يريدون شراكات اقتصادية واتفاقيات تجارية واستثمارية تعود بالفائدة على دولهم وشعوبهم.

صحيح أن الولايات المتحدة لديها برامج تدريبية سنوية لمكافحة الإرهاب بمشاركة قوات أفريقية وذلك للتعزيز من قدرات وإمكانيات القوات الأفريقية لمواجهة الجماعات الإرهابية حتى لا تكون أفريقيا المكان المناسب والبيئة الخصبة للمتطرفين والإرهابيين، إلا أن ذلك لا يغني عن الاستثمار والشراكات الاقتصادية التي تصب في مصلحة الإنسان الأفريقي وتسهم في زيادة وعيه من خلال التعليم وإيجاد الفرص الوظيفية له والاستقرار الاجتماعي والأمني.

المؤشرات والتوقعات تشير إلى أن القارة الأفريقية هي قارة المستقبل وقارة الأحلام، ويمكنني أن أطلق عليها القارة الزرقاء بدل القارة السمراء، قارة زرقاء لما تمتلكه من إمكانيات وموارد وفرص استثمارية، وما زالت بحاجة للتطوير والبنى التحتية.

وهذا ما يجعل الدول الغنية والطموحة تتجه للاستثمار فيها، وتشير التوقعات إلى أن سكان القارة الأفريقية سيصلون لأكثر من 2.5 مليار نسمة في العام 2050، لذا في المرحلة المقبلة سيزداد التنافس الدولي للتواجد في أفريقيا.