خلافاً للتوقعات، فاز رجب طيب أردوغان وحزبه «حزب العدالة والتنمية» وتحالفه «تحالف الجمهور» بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي جرت في مايو/أيار المنصرم، جميعاً. فقد رجح أغلب المراقبين أن ينجح أردوغان في تأمين فترة رئاسية جديدة في الجولة الثانية، وألاّ يتمكن حزبه وتحالفه من الحفاظ على الأغلبية في المجلس الوطني الكبير «البرلمان». ولكن ماذا حدث؟

أسفرت الانتخابات عن حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم مع تحالف الجمهور المؤيد له على 322 مقعداً، فيما حصل تحالف المعارضة برئاسة منافسه رئيس (حزب الشعب الجمهوري) كمال كيليتشدار أوغلو على 212 من إجمالي مقاعد البرلمان.

وبالنسبة للانتخابات الرئاسية، أسفرت الجولة الثانية، عن فوز أردوغان بحصوله على 52.15 %، فيما حصل كمال كيليتشدار أوغلو على 47.85 %.

وتشهد تركيا ظاهرة عجيبة، تتعلق بتسمية الأفكار والأيديولوجيات السياسية بأسماء القادة السياسيين. فهناك «الكمالية» نسبة إلى مؤسس الجمهورية مصطفى كمال «أتاتورك»، وهناك «النورسية» نسبة إلى الشيخ سعيد النورسي، وهناك «الأوزالية» نسبة إلى تورغوت أوزال. والحقيقة أن فوز أردوغان في انتخابات الرئاسة التركية لخمس سنوات مقبلة، وهيمنته على الحكم والسياسة منذ عام 2003، وتحويله النظام السياسي التركي إلى نظام رئاسي، وقدرته على إعادة توجيه سياسة تركيا الخارجية... ظاهرة تستحق الاهتمام، ويمكن أن نسميها «الأردوغانية»، وهي مزيج من القومية «الطورانية» والمحافظَة-الإسلامية «النورسية» والليبرالية الاقتصادية «الجديدة». وفي مجال السياسة الخارجية، تتجلى «الأردوغانية» في التوجه نحو الشرق، وهو توجه تكميلي للتوجه الغربي الرئيسي للسياسة الخارجية التركية. ولذلك، نجد أن أهم حلفاء أردوغان وحزبه هو حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي ذو الاتجاه الطوراني، الذي حصل في الانتخابات الأخيرة على على 50 مقعداً. وتضم قائمة الحلفاء أيضاً حزب الرفاه الجديد صاحب التوجه الإسلامي المحافظ بزعامة فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان. ولنتذكر تحالفه القديم مع حركة فتح الله غولن «النورسية» وحزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه حتى تفجر الخلاف بينهما عام 2012.

وفي المكون القومي وتوجهها الرئيسي نحو الغرب تتشابه «الأردوغانية» مع الكمالية. وفي «التكميلية» في السياسة الخارجية، يسير أردوغان على خطى أوزال، وأستاذه السابق نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاه (القديم) الذي تنشأ أردوغان سياسياً فيه. وفي المحافظة والتمسك بالقيم الإسلامية الأساسية، ينهل أردوغان من النورسية. وفي الاقتصاد وشؤونه، نجد أن الأفكار الليبرالية الجديدة سائدة في برنامج حزب العدالة والتنمية.

وبناء عليه، فإن ملامح الأردوغانية سوف تسم الحياة السياسية في تركيا لمدة خمس سنوات مقبلة على الأقل، مع اتجاهها إلى الاعتدال في مكوناتها ال3 القومية والإسلامية والليبرالية؛ نظراً لتنامي قوة المعارضة داخل البرلمان. فقد حصل تحالف الأمة المعارض بزعامة حزب الشعب الجمهوري على 212 مقعداً بنسبة 35.3% من إجمالي مقاعد البرلمان، فيما تمكن تحالف العمل والحرية (الكردي) بزعامة حزب الشعوب الديمقراطي على 65 مقعداً بنسبة 10.8%.

ويبدو أن نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية وضعت حداً للمناظرة بين أنصار النظام البرلماني وأنصار النظام الرئاسي في تركيا؛ فمن أهم مضامينها ترسيخ النظام الرئاسي في تركيا، وسكون الجدل بشأن إعادة النظام البرلماني.

وفي مجال السياسة الخارجية، يُرجح استمرار سياسات الرئيس أردوغان، خصوصاً ما يتعلق بالانفتاح على العالم العربي وتصفير المشكلات معه، واستمرار سياسة التوجه شرقاً، بصفة عامة، بمعنى تعزيز الانخراط متعدد المجالات مع روسيا والصين، بالموازاة مع استمرار العلاقات مع الغرب سواء مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أو حلف الناتو. بعبارة أخرى، سوف تواصل تركيا في الأجل القريب التوجه التكميلي في سياستها الخارجية، القائم على الدمج بين التوجهين الغربي والشرقي.