أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية في 6 آب/أغسطس 1945، أول قنبلة ذرّية في تاريخ البشرية فوق هيروشيما باليابان أسمتها «الولد الصغير»، بعدما كانت ألمانيا قد استسلمت لقوات الحلفاء في مايو من العام نفسه، ولاحت الحرب العالمية الثانية بوضع أوزارها. بعد 3 أيام، أسقطت أمريكا قنبلة أخرى على ناكازاكي قتلت 220.000. الغريب أن الرئيس الأمريكي هاري ترومان أصرّ على الكارثة لقياس تأثيرات التفجيرين ومخلّفاتهما، ولم يساوره ندم على أوامره الإشعاعية، مع أن إدارته راحت منذ ذلك التاريخ تُهندس استراتيجيات إسقاط الاتحاد السوفييتي. الأغرب أن الرئيس الحالي جو بايدن الذي كان في عداد قادة مجموعة السبع الذين اجتمعوا في هيروشيما (18 مايو 2023) دعا أمام المتحف والنصب التذكاري في هيروشيما لضحايا القصف الذرّي إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية، لكنه رفض مسبقاً الاعتذار عن القنبلتين اللتين طبعتا البشرية بالرعب مصرّاً على سلوك سلفه الرئيس باراك أوباما الذي كان أوّل رئيس أمريكي يزور هيروشيما عام 2016 دون أن يعتذر عن تلك الكارثة في تاريخ الإنسانية.

صحيح أن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح النووي، لكنها تقدّمت الدول العظمى بإرسال قاذفات إسراتيجية نووية نحو أنحاء العالم، وغواصات مزودة برؤوس نووية، تحت شعارات الدفاع عن الشعوب.

لماذا العودة 78 سنة إلى الوراء؟

لأن العالم تذكّر الأسبوع الماضي كارثة هيروشيما وفكّر بالقادة «العظماء» والضحايا والخرائب وكذلك الخوف العالمي المتجدّد عبر الإشارات والتهديدات بالحروب النووية أو بالحرب العالمية الثالثة المترددة عبر الشاشات والتحليلات والتوقّعات. يكفي التحديق بالخارطة العالمية من روسيا وأوكرانيا نزولاً نحو الصين والهند وصولاً إلى البرازيل، ومروراً بأنقرة وطهران ومعظم بلدان الشرق الأوسط، لتبرز أمامنا شبكات التحالفات والتكتلات الجديدة والقوى الأوروبية والأسلحة الضخمة الجاذبة للانتباه والخوف العالميين والتداعيات الكثيرة عبر شحن مثلّث الأسلحة والاقتصاد والتوسّع الدولي في صراعات لامتناهية.

هكذا يبرز السؤال الذي يشغل العالم:

هل الحرب العالمية الثالثة بأخطارها النووية ممكنة؟

في التنقيب عن جواب عبر تبادل التهديدات المتلاحقة، نجد أنفسنا بين 1945 و 1985في العصر الذهبي الدولي، لكن منذ ال2022 تجذبنا التهديدات اليومية مجدّداً التي كان لا يمكن للبشرية أن تُفكّر بها، لكأن العالم سقط في ما يمكن تسميته بالانهيار العصبي الدولي الخطِر الذي يطاول الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية عبر سياسات حافلة بالتحديات الاقتصادية والمالية و«الجيوبولوتيكيبة» التي خلّفتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية. تتضافر تلك المخاطر نحو الانزلاق الجنوني لأصداء حروب ستحمل نبرات طروحات نووية تقوى وتشتد.

يمكننا التفكير فوراً، بالاجتياح الروسي لأوكرانيا التي احتضنها حلف شمالي الأطلسي فاتحاً أذرع دوله لاستقبالها لتتحوّل موضوعياً وطبيعياً إلى بؤرة صراعات دولية «عظمى». قد يبدو التفكير الدولي متحيّراً مثلاً؛ إذ يذهب غالباً إلى أن إسرائيل قادرة بالتفاهم مع الولايات المتحدة وغيرها على القيام بهجومات في لبنان أو إيران التي تُربك العالم الضاغط والمضغوط بسيرة القنبلة النووية الجديدة الغامضة المحفوفة بالعقوبات والتهديدات غير المحددة. ويبدو الرئيس الصيني، في هذا المجال، متماسكاً في ترسيخ سلطاته في الصين؛ حيث تستجمع أمريكا عقوباتها ضدها بدبلوماسية. هكذا تبدو الحروب الجديدة الباردة أكثر برودة بسبب الهاجس الأمريكي باستقلال تايوان، فيما كوريا الشمالية جاهزة لجذب الانتباه العالمي بصواريخها الباليستية.

يصعب التكهّن، على الأرجح، بحرب عالمية ثالثة بسبب تضافر الحروب الدولية السيبرانية أولاً، ثم بازدياد التحالفات وتبدلاتها في أعداد الدول التي اختارت عدم الانحياز تجاه العقوبات الغربية ثانياً، إلى هموم مخاطر التلوث المناخي الدولي والرعب السائد من تفشي الفيروسات التي قد تتجاوز مخاطر الطاعون الوارد في التوراة، ثالثاً نحو ظهور فيروسات خطِرة ناجمة عن تلك العلاقات المعقدة بين التدمير البيئي والأمراض الحيوانية المنشأ التي تقودنا جميعاً إلى التفكير الجدي بإعلان دفن العولمة.

يبقى، أن البشرية تبدو منقادة رابعاً، كما نقرأ، نحو فيروسات خطِرة؛ بل ماحقة إذا ما تفشّت مناخياً بعدما كانت مُقيمة في الجليد منذ آلاف السنين، دون أن ننسى خامساً وأخيراً، «حضارات» التقدم التقني الهائل في ميادين الذكاء الاصطناعي الذي يقود البشرية، على الأغلب، نحو إعدام مفاهيم العمل والإنتاج المتداولة عبر التاريخ.