خالد بن حمد المالك

لم يعد التهديد الوجودي مقتصراً على قطاع غزة وسكانها، حيث تواصل إسرائيل حرب الإبادة، بما أدانها من المحاكم الجنائية الدولية، وإنما امتد العدوان إلى الضفة الغربية، حيث يُهجَّر المواطنون من منازلهم، ومزارعهم، ويحاصرون من المستوطنين، مدعومين من الجيش، ويتم إرهابهم إما بالقتل، أو بأخذهم إلى السجون الإسرائيلية ليقضوا بقية حياتهم تحت التعذيب.

* *

هذه السياسة الإسرائيلية في الاستيلاء على ما بقي من الأراضي الفلسطينية، وإجبار من بقي متشبثاً بحقوقه المشروعة للتخلّص من الظلم والقهر، وممارسة العدوان على مواطنين غير قادرين على مقاومة عدوهم، ولا وجود لمن ينصفهم، ويتدخل لحمايتهم وإنصافهم من دول العالم، ومن المؤسسات التي يفترض فيها أن تتدخل لمنع هذا الإرهاب المنظم.

* *

أكثر من ثمانين عاماً، والجلاَّد لا يتورَّع عن قتل الأبرياء، وحرمانهم من حقوقهم، مطمئناً بين دعم الدول له في جرائمه، أو ملتزماً الصمت، وكأنه لا يرى ولا يسمع، رغم وضوح التسلّط الإسرائيلي، والاعتداء الذي لا يتوقف، ولكن كما أشرنا، لا من رأى ولا من سمع، متفهماً لهذه الممارسات الإسرائيلية غير المبررة.

* *

وكل المقترحات، ومبادرات السلام، والتوجه نحو خيار الدولتين، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية ترفضها إسرائيل، وليس هناك من قوة تُلزمها بالاستجابة لهذا المقترح، والتعامل معه، وفقاً للقرارات الدولية، ومبادرة السلام العربية، واعتراف 159 دولة بفلسطين دولة حرة ومستقلة على أراضي حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

* *

وليس لدى إسرائيل مبررٌ لرفضها اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية، إلا أنها تتبجح بأن إقامة دولة فلسطينية، إنما يهدِّد الوجود الإسرائيلي، ويمنع استمرار إسرائيل كدولة وسط الجسم العربي، رغم كل الضمانات والحماية، وبالشروط التي تريدها إسرائيل، بما لا صحة لادعاءات تل أبيب، وأكاذيبها، والتخوّف الذي تطلقه لذر الرماد في العيون.

* *

إن المسؤولية تقع على الولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها، كونها الحليف الأقرب لإسرائيل، والداعم الأكبر لها، والقوة القادرة على فرض الإرادة الدولية على هذه الدولة التي لا تعترف بالقوانين الشرعية، معتمدة على واشنطن، وعلى تفهمها لمطالب العدو الإسرائيلي.

* *

وإن الرئيس ترمب الذي تبنى مبادرة السلام، باتفاق وافقت عليه كل من إسرائيل والفصائل الفلسطينية، آن له أن يوقف العدوان، ويُلزم إسرائيل بعدم خرق الاتفاق، والتوجه نحو استكمال بنوده، باتجاه تنفيذ المرحلة الثانية، بدلاً من نكث تل أبيب وعودها، بعد استلامها الرهائن والجثامين، واستئنافها القتال في قطاع غزة، ومواصلة جرائمها في الضفة الغربية.

* *

ومع أن العدوان الإسرائيلي يواصل عدوانه بشراسة، ضمن حسابات تقوم على أن أهداف الحرب لم تستكمل بعد، وآن الأوان بزعم إسرائيل لإكمال ما فشلت في تحقيقه بالحرب، حماية لرهائنها، بعد أن ضمنت عودة الرهائن والجثامين إلى إسرائيل، تحت مظلة السلام المزعوم التي لم تلتزم بها، في إرهاب تمارسه دون خوف على الرهائن بعد التزام حماس بالإفراج عنهم، وتسليمهم لإسرائيل.

* *

إنها مأساة يتعرض فيها الفلسطينيون المدنيون للقتل، والتشريد، سواء بالضفة أو القطاع، وأكبر خطأ إذا ما فكرت إسرائيل بأنها سوف تنهي المقاومة، وتكسر إرادة الشعب الفلسطيني، حتى وإن تراجعت القدرات العسكرية لدى الفلسطينيين، إلاّ أن شعلة النضال والكفاح والمقاومة لن تنطفئ، فهذه حقوق لا تنازل عنها، مهما تضاعفت التضحيات.