رنا رفعت من اللاذقية: كان حارس الضيعة في الريف الساحلي أيام زمان أحد أهم رجالاتها ممن وقعت على عاتقهم مسؤوليات جسيمة جعلت منه الرجل الثاني في القرية بعد مختارها من حيث تقديم المساعدة العامة والاضطلاع بمتابعة شؤون القرويين وأعمالهم.. ورغم قصر عهد هذه المهنة إلا أن المهمات والواجبات التي أحيط بها صاحب هذه المهمة كانت من الأهمية بمكان بحيث يصعب على كثيرين القيام بها يوميا وعلى مدار الساعة.

ويقول الباحث التراثي حسن أبو علوش من قرية الدالية في اللاذقية ان حارس القرية قد قدم فيما مضى خدمات جليلة لأهل الضيعة وفقاً لمقاييس الزمن آنذاك ولا يزال يذكرها المعمرون ممن تسعفهم الذاكرة في ريفنا وعرف عنه التزامه بما يمليه عليه واجبه ويفرضه السند الذي وقعه والعهد الذي قطعه أثناء تسميته حارساً للقرية وأهم ما فيه صون الأمانة والعدل في المعاملة وتنظيم الحال وصد التعديات على الأملاك ودرء السرقات دون انحياز لجهة معينة.

وقد اختلفت ألقابه من ضيعة لأخرى فكان يلقب بـ الحارس أو الخضرجي أو الناطور أو الحواط وتأتي كل من هذه التسميات وفقاً لإحدى المهام المناطة به فالأخيرة تصف إحاطته علماً بكل ما يتصل بالقرية وأهلها وأنسابهم والظروف الحياتية لكل منهم إلى جانب أرزاقهم ومزروعاتهم وحيواناتهم وهو كذلك حارس حقولهم وبساتينهم من اللصوص وقطعان الماشية.. و لأنه دائم التجوال بين العشب والمزروعات والأشجار الخضراء لحمايتها من السرقة فقد نعت بالخضرجي.

ويضيف أن مهام حارس القرية قد امتدت لتشمل حماية غابات الضيعة من القطع والحرق وقطعان الماشية التي غالباً ما كان أولاد القرية يغفلون عنها باللعب أو النوم بالإضافة إلى مراقبة الأراضي البور والبراري الواقعة ضمن الحدود العقارية للقرية للحفاظ عليها كمراع موقوفة على مواشي القرية دون غيرها من قطعان الجوار وهذا ما دعا الأهالي لتلقيبه أيضاً بـ راعي الرعاة.

ويذكر أبو علوش أن إحدى واجبات حارس الضيعة المهمة كانت تتجلى في استقبال ضيوف القرية اللامعين من الدرك وأمثالهم إلى جانب المختار والأعيان البارزين الذين يقومون عادة بواجب الاحتفاء والضيافة فكان الحواط يسارع في مناسبات كهذه إلى تأدية ما يترتب عليه من واجب الترحيب وحسن الاستقبال والضيافة من خلال إعلام أهل القرية بحلول ضيف ما وتنسيق العمل الذي يستدعيه الحدث من تحضير الولائم وغرف الضيافة والمعالف الملأى لخيول الضيوف.

وكان الحارس يتقاضى مقابل العمل المضني الذي يقوم به أجراً يتفق عليه منذ البداية ويقوم أهل الضيعة بدفع ما تعهدوا له به مقابل حراسته على مدار العام. هذا الأجر كان في غالب الأحيان عينيا كما هو الحال يومذاك ويتضمن عددا من أرطال الحبوب كالقمح أو الشعير أو الذرة أو كميات من الخضراوات أو لحوم الخراف أو زيت الزيتون أو السمن البلدي وسواها. وأيا كان فقد كان هذا الأجر سنوياً يقاس تبعاً لاتساع القرية وامتدادها وعدد الملاكين والأراضي فيها.

ويضيف أن الحواط كان عادة ما يبادر إلى تحصيل أجره بنفسه لدى حلول موسم الحصاد أو بصحبة المختار واذا ما امتنع أحد من الأهالي عن إعطائه أجره يتم حل المشاكل العالقة ضمن حدود المجتمع القروي دون الوصول إلى الدرك أو مدير الناحية أو المحكمة للتدخل وتطبيق بنود السند المكتوب.

ويقول أبو غازي معلا وهو أحد المعمرين من قرية الشبطلية في محافظة اللاذقية ممن عاصروا تلك المرحلة إن الناطور كان إحدى الشخصيات المدللة في القرية والذي يسعى الأهالي لاحترامه وإرضائه على الدوام عبر دعوته إلى موائدهم و مناسباتهم الاجتماعية المختلفة إذ كانت لديه الصلاحية لفرض وتنفيذ بعض العقوبات الصغيرة على المتجاوزين لقوانين القرية وأعرافها.

فكان لحارس القرية أن يفرض مبلغاً من الفدية على أحد القطعان أو البقر أو الماعز التي احتجزها بسبب إغفال راعيها عنها ودخولها بالتالي إلى أحد الحقول والرعي على مزروعاتها وأشجارها.

أو تأنيب ولد شقي أو تعنيف آخر عبث في أرض ليست له وهكذا كان الحواط يتولى مهمة التجادل والتعارك والمشادات الكلامية مع الرعاة والمتسللين إلى الأراضي نيابة عن أصحابها.