الدكتور مايكل دور ريدر يحاول إنعاش قلب مريض بالصدمات الكهربائية

يعتبر مايكل دو ريدر رئيس قسم الطوارئ في مستشفى برلين ومؤلف كتاب جديد عن دورة الموت أن التقدم الذي تحقق في مجال الطب جعل الموت أكثر تعقيدا للمرضى ذوي الأمل الضئيل بالبقاء على قيد الحياة. ودعا الاطباء في كتابه السماح للمرضى الميئوس منهم كي يموتوا بطريقة تضمن لهم كرامتهم. وأجرت صحيفة ديرشبيغل الألمانية لقاء معه ناقشت فيه الافكار التي تضمنها كتابه.

حياة قابلة للتمديد
شرح دو ريدر كيف أن حدود الحياة اليوم أصبحت قابلة للتمديد دون الاهتمام بصالح المريض أو إرادته وتصبح أوضاع وفاته رهيبة وتخلو من الكرامة، ككبار السن الذين هم في طور الموت، منفصلون عن محيطهم العائلي، فيتم نقلهم سريعا بسيارات الإسعاف مع إجراءات إنعاش وتنفس اصطناعي، وإذا لم يكونوا محظوظين فإنهم يموتون في المصعد. نادرة الحالات التي يأتي فيها مصاب بمرض يتعرض لجلطة قلبية أو التهاب رئوي حيث يصبح من الضروري ألا يعاني وأن يمنع من القيام بأي شيء يؤذيه.

الموت الطبيعي بطريقة بسيطة ما عاد خيارا في مجتمعنا حتى في الأماكن التي يتوقع المرء أن يحدث ذلك. فمن النادر أن يموت شخص من دون تغذية أو زرق اصطناعيين، منذ وقت طويل أصبح الموت ظاهرة غير طبيعية. وفي هذا الإطار تحدث الطبيب عن امرأة في الثمانينات من عمرها وكانت ما زالت حيوية جدا إلا أنها تعرّضت إلى نزيف في الأمعاء ناجم عن ورم. ولم يكن ممكنا إيقاف النزيف إلا بعملية جراحية رفضتها المريضة وفضلت الموت على المضي في طريق طويل من المعاناة وتوفيت في اليوم نفسه. إنه تماما قرار معقول لا يستطيع أي شخص معارضته، خصوصا وأن النزف حتى الموت هو طريق سهل للموت، لكن الأطباء شعروا بأنهم منعوا من أداء عملهم، وكانت هناك نقاشات حادة حول ما إذا كان عليهم أن يسمحوا بذلك.

القانون يطال الطبيب
ويرى دو ريدر أن التفويض الممنوح للعلاج هو أولي بالتأكيد، لكن التفويض بالسماح لشخص ما أن يموت بطريقة حسنة هو مهم على حد سواء من الناحية الأخلاقية، وبالتالي تكون سلسلة عمليات الإنعاش والمعالجة نوعا من التحدي للحياة بذاتها. فالشخص المستفيد منها ما عادت تؤخذ قناعاته الشخصية بخصوص العيش والموت. ففي حال وصول كبير في السن قادم من إحدى دور العجزة، وبعد إصابته بجلطة دماغية منذ سنتين توقف الرجل عن الأكل وتوقف عن التواصل مع الآخرين ويبدو أنه فقد اهتمامه بالحياة.

والآن أصيب بحالة التهاب رئوي حاد والعاملون في دار العجزة لا يريدون تحمل أي مسؤولية جراء ذلك، وحالما نقل إلى غرفة الطوارئ أصيب بسكتة قلبية فرد فعل الطبيب الاوتوماتيكي سيكون إلأنببة، quot;إلا أني أقول الرجل يحتضر ونحن سنسمح بحدوث ذلكquot; خصوصاً وأن الالتهاب الرئوي لدى المسن يسمح له بالانتقال بسرعة إلى حالة الغيبوبة من دون معاناة.

إلا أن الأطباء ليسوا مهيئين على تلك القرارات وهذا يعود لأن همهم الأول هو التصرف بشكل لا يتعارض مع القانون، ففي وضع رجل متقدم في السن شديد النحول ومصاب بمرض تعفن الدم ولعل ذلك ناجم عن إصابته بتورم معوي أو شيء من هذا القبيل وحاله ميئوس منها إلا أنه أصيب بالسكتة القلبية، رغم موافقة الأطباء على عدم إنعاش الرجل أو القيام بأي شيء، وهو قرار مسؤول تماما، إلا أن تقريرهم قال: quot;الإنعاش توقف بعد 25 دقيقةquot;. أرادوا بذلك حماية أنفسهم لأنهم شعروا بأن يد وكيل النيابة قادرة على أن تطالهم.

quot;من فضلكم بلا أنابيب!quot;
وهنا يطرح السؤال ما هو الشيء السيئ بما يخص دورة الموت؟ فهي تحدث بأي حال وهي ليست جميلة بأي شكل ما. ومع الطب المسهل هناك قدرة على جعل الموت يحدث بالطريقة التي يريدها الناس: الموت بسلام. لكن في الغالب يعمل عكس هذا المبدأ ويحول الموت إلى تجربة رهيبة للكثير من الناس، ما دفع بالكثيرين لكتابة وصايا حددوا فيها الطريقة التي يريدون الموت وفقها لأن الأطباء يتابعون المتطلبات التكنولوجية بدلا من اعتبار صالح المريض أو العلامات الطبية. وبالتالي نحن بحاجة إلى مبدأ خاص بمعالجة الحالات الميئوس منها خصوصاً وأن الطب قادر على تأجيل وقت الموت إلى ما لا نهاية مع الديلزة والتنفس الاصطناعي والتغذية بواسطة الأنابيب، إلا أنه في بعض الأحيان لاتحمل المساعدة الطبية أي معنى. فهناك المرضى الذين يبقون على قيد الحياة بعد إنعاشهم وهم في حالة خمول عقلي كامل على سبيل المثال.

الطب اليوم يضع ما يقرب من 3000 إلى 5000 شخص سنويا في حالة كهذه، وفيها يظلون معلقين ما بين الحياة والموت إلا إذا كانوا كتبوا وصية لما قبل الوفاة. كان الأمر مختلفا في الماضي. فخلال الستينات من القرن الماضي لم يكن يبقى حيا إلا أولئك الذين مروا بالإنعاش وتمكنوا من الخروج من المستشفى بحالة صحية معقولة. أما الآخرون فكانوا يموتون في وقت لم يكن ممكنا تغذية الشخص الفاقد للوعي. أما اليوم فإن هناك 1 من 20 مريضا ينجون بعد الإنعاش بعد حذف أولئك الذين يخرجون من المستشفيات، ويحتاجون إلى عناية مركزة طويلة الأمد.

أي حياة تستحق الحفاظ عليها
من هنا فإن الأمر متعلق بالجانب التطبيقي فإذا كان علاج ما غير ناجح في أول 100 مرة فإنه يجب عدم استعماله للمرة الـ 101. فمع مثال الإنعاش: لا دماغ قادر على النجاة من دون أكسجين لأكثر من 10 دقائق. وإذا تم تجاوزها فإن المريض يكون ميتا سريريا. عند ذلك تصبح الجهود لا جدوى منها إلا إذا كان الطبيب مقتنعا بأن إنتاج مرضى يعيشون في حالة خمول عقلي تام هو أمر حسن. لكن الأطباء يعارضون بشدة السماح بموت شخص كهذا. فهم يقولون: quot;لكنك لا تعرف أبدا! هناك ظروف استثنائية جدا تجعل مصابا من كل 100 قادرا على عيش حياة ذات معنىquot;. وهل يسمح لـ 99 شخصا يعيشون في وضع مريع لأن ما أقوم به يفيد شخصا واحدا؟ كيف يكون هذا التصرف أخلاقيا حينما يكون هناك 99 قرارا يتسبب في المعاناة: هل تلك القرارات غير مهمة مثل أهمية قرار إبقاء الشخص القابل للنجاة؟

المبدأ الموجه لأي طبيب هو ألا يؤذي أي مريض. لكن إنعاشا إضافيا لشخص انتشر السرطان في جسده ويعاني عجزا في الكلى بعد تعرضه لسكتة قلبية هو عمل غير مجد تماما. هذا الوضع لا يتطلب استخدام الديلزة. والقيام بذلك هو مجرد تمديد وقت معاناة المريض، والمستشفيات ملأى بأناس يعالجون لأسباب صحية معقولة وهؤلاء لا ينتمون إلى المرضى الذين وصلوا إلى آخر مرحلة من حياتهم. إلا أن هذا يؤثر في مجالات أخرى في العناية المركزة فعلى سبيل المثال، التغذية الاصطناعية من خلال الأنابيب المدفوعة في الجدار البطني، quot;أنبوب الـ بي إي جيquot; ابتكر لتغذية المصابين بحوادث والذين يعانون عجزا على الأكل بشكل موقت. وهو لم يبتكر كإجراء طويل الأمد. لكن اليوم هناك ما يقرب من 100 ألف شخص في المانيا يعيشون بفضل أنابيب التغذية على الرغم من أن البحوث لم تثبت أن هذه الأنابيب تطيل عمر المريض أو تحسن نوعيتها خلال المرحلة الأخيرة من الحياة. وعلى العكس من ذلك فإن استخدام الأنابيب مع المصابين بالخرف المتقدم مفيد. هذه خروقات جادة لحقوق الانسان تجري في أواخر العمر والأطباء هم المسؤولون عنها.

المساعدة على الانتحار!
يضيف دو ريدر أن بعض المرضى يريدون من أطبائهم أن يساعدوهم على إنهاء حياتهم لأنهم ما عادوا يتحملون المعاناة، وذلك ممكن أن يكون مقبولا أخلاقيا و هناك حالات تقتضي القيام بذلك. ففي الأوضاع التي ادعى فيها لإراحة شخص في أشد حالات المرض وفي حال لا أمل فيها، والتصرف بالشكل الذي يريده المريض، فإنه في هذه الحالة quot;أجد أن المساعدة على الانتحار هو إجراء ملطف على الرغم من تطرفهquot; خصوصاً إذا كان القرار نهائيا وتم التوصل إليه من دون ضغط خارجي وإذا لم تكن هناك أدلة على وجود مرض عقلي وبالتالي عليك أن تعرف مريضك تماما لهذا الغرض. quot;فخلال فترة السنة والنصف الأخيرة تعرفت إلى امرأة شابة، عالمة ذكية جدا وهي منذ وقوع حادثة لها قبل سنتين تعاني الشلل من الرأس فما تحت وهي لا تشعر بشيء.

وأرادت إغلاق جهاز التنفس الاصطناعي لكن طلبها رفض لأن ذلك غير شرعي. بل هي وبِّخت لأنها المريضة الوحيدة في الجناح التي لا تريد البقاء حية. وهي الآن تستطيع التنفس وحدها، لكنها تقول إنها لا تستطيع أن تلمس أي شخص بعد الآن. وهي لا تستطيع أن تقوم بعملها بعد الآن وهي لا تستطيع أن ترفع حتى حصاة. لذلك فهي لا تريد العيش هكذاquot;. وأضاف quot;أنها حياة لم يكن ممكنا وجودها من دون تقدم الإجراءات الطبية وكذلك فهي حياة لا يمكن بعد الإن إنهاؤها لوحدها. وفي ذلك الوضع أنا لا أستطيع أن آمر تماما بتقليب المرأة كم من المرات في اليوم أو أنه يجب تغذيتها اصطناعيا أو أن عليها أن تتمدد لأربعين سنة أخرى لمجرد أننا امتلكنا التكنولوجيا التي تجعلنا نرضي معاييرنا الأخلاقية. وإذا بقيت مصرة على قرارها فإنني سأساعدها وأنا على استعداد لمواجهة ما يترتب عليه من جدل، المنظومة الأخلاقية الطبية الرسمية تحرم القيام بشيء هو مسموح به وفق القانونين الجنائي والدستوري. علينا أن نوضح هذا الفارق. هناك عدد كبير من زملائي يساندون ما أقول وهو ظل مدعوما من قبل استطلاعات الرأي بشكل منتظم ومن قبل الجمعية الطبية الألمانيةquot;.