&مطلق بن سعود المطيري


لم تكن واشنطن خلال العقد الماضي داعماً أميناً للمواقف العربية، في القضايا المصيرية التي شكلت اليوم مشاهد الواقع وتعقيداته وتحدياته، فقد غلب على سياسة البيت الأبيض في هذه المرحلة شكل الخذلان للقضايا العربية سواء كان من يقبع خلف أبوابه من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، وقد برز تقاطع المواقف أكثر وضوحاً بينها وبين الرياض بداية من مبادرة المملكة في عام 2004 المتضمنة إرسال جيش عربي للعراق يحظى بموافقة القوى الشعبية والدينية العراقية ويكون بديلاً عن الجيش الأميركي ويكبح طموح طهران في الهيمنة على هذا البلد العربي، إلا أن المبادرة رفضت من واشنطن واستمر الاحتلال وبدأت عملية تسليم العراق لطهران، وقد دفع هذا التصرف وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل للقول: "إن واشنطن سلمت العراق لطهران على طبق من ذهب".

وأثناء الحرب على غزة 2008 قدمت المجموعة العربية في الأمم المتحدة مشروع بيان لمجلس الأمن يلزم إسرائيل بوقف العدوان فوراً وفتح المعابر وإدانة الجرائم الإسرائيلية الوحشية بحق الشعب الفلسطيني إلا ان هذا البيان تم مواجهته بالتسويف والمماطلة من قبل وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، وعلى اثر ذلك التردد من قبل واشنطن حذرها صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية من انسحاب العرب من الأمم المتحدة والتنازل عن عضويتها إذا لم يقر هذا البيان من مجلس الأمن، وقد خضعت واشنطن للإرادة العربية، وقال الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات بعد هذا الموقف: "من لا يشكر الأمير سعود ليس عربياً" وكان من تبعات هذا البيان الإيجابية قبول رفع الجرائم الإسرائلية لمحكمة العدل الجنائية.

ولا يخفى على القارئ العزيز اعتراض واشنطن على فوز الدكتور إياد علاوي في الانتخابات البرلمانية العراقية وتشكيله الحكومة، وكان موقفها يتناغم تماماً مع طهران، حيث كانوا يرون أن الدكتور علاوي مدعوم عريباً، وهذا لا يستقيم مع رؤية واشنطن وطهران حول من سيقود سياسة العراق الذي يجب أن يكون متوافقاً مع رؤيتهما وليس مع رؤية العرب، فجاء نوري المالكي ونفذ رؤيتهما في العراق!

هناك الكثير من المواقف تجعلنا نتذكر رفض المملكة مقعدها في مجلس الأمن اعتراضاً على مواقف الدول المهينة على مجلس الأمن نحو القضايا العربية، فقد أعرب الكسندر نموريليك مدير المركز الإعلامي للأمم المتحدة في موسكو: "الحلول المقترحة لتسوية القضية السورية لم تكن مناسبة للسعودية، وكذلك قد يكون الرفض ناجم من عدم رضاها عن الدفء الذي بدأ يظهر في علاقة واشنطن وطهران"ولم يقل إن الدفء بينها زاد من الصقيع على الشعب السوري وجعل طهران تعتقد أن التقارب مع واشنطن سيضمن لها السيطرة على قرارات التدخل في الشأن السوري.

"عاصفة الحزم" كانت صناعة سعودية خليجية عربية بامتياز، لم تتدخل بها أي إرادة سياسية إقليمية أو دولية، فقد كانت المواقف السابقة لبعض الأطراف الدولية تجاه العديد من القضايا العربية غير مشجعة على التنسيق أو الاستشارة، فعندما سئل الجنرال ليود اوستين قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي عن التوقيت الذي أبلغته فيه السعودية عزمها للقيام بعاصفة الحزم، قال أمام مجلس الشيوخ الخميس الماضي إنه تحدث مع وزير الدفاع السعودي أثناء تحركهم مباشرة، وذكر أنه لا يستطيع تقييم نجاح الحملة لأنه لا يعرف أهدافها، وهنا الجنرال أمام مساءلة من جهة تشريعية لا مجال فيها لإخفاء المعلومات، وإلا فقدَ موقعه وقدم للمحاكمة.

إن المشاعر الإيجابية التي سادت الشارع العربي كانت نتيجة عدم الاعتماد في الحل العسكري على الجهات الخارجية، وعدم معرفتها به، وكونه جاء لضرب قوة خارجية تبحث لنارها عن حطب جديد في اليمن الشقيق.
&