يقول الاستاذ غسان المفلح في مقاله موضوع حديثنا: لم يتطرق احد من النقاد لما أنتجته التجربة العراقية، وأن الخراب الذي أصاب العراق كان نتيجةً لغيابquot; سيادة المركزquot;. يعني غياب مبدا الدولة الامة بتعبير آخر.

في الواقع هذا المبدأ بالذات أوصل العراق الى الإحتلال وتداعياته.

الدولة الامة والقضية الكردية في سوريا (2 - 5)

ألم يكن نفس المبدأ سارياً منذ تشكيل الدولة العراقية وحتى عام 2003 وأن الدولة كانت مركزية الى أبعد الحدود؟. هل وجد العراق إستقراراً منذ تأسيسه الى سقوطه بإستثناء السنين الأولى في فترة الثلاثينات من القرن الماضي؟. هل هناك من لا يذكر تلك الحرب الضروس بين الكرد وإنقلابيي بغداد طوال حقبة الستينات؟. ألم تكن هيمنة وقوة المركز وراء تلك التصفيات والإعدامات التي جرت بين حكام بغداد الإنقلابيين quot;رفاق الدربquot; بعد محاكمات بسرعة البرق والتنفيذ خلال دقائق؟.

ألم تصل الجريمة الى تجفيف الأهوار فقط بهدف إبادة المكون الشيعي؟. هل هناك لزوم لتذكير الحرب الايرانية وسقوط أكثر من مليون إنسان ليبقى المركز قوياً كالفولاذ؟ وماذا عن الإستيلاء على الكويت في ظل الدولة الامة؟. أم أن البعض يرى أن حرب الإبادة ضد الكرد من التعريب والتهجير وحلبجة والأنفال كانت تدابير غير كافية وأن الحكم المركزي كان وقتها رحيماً أكثر من اللازم؟.

إذا كان كل ماورد أعلاه حدث في ظل quot;سيادة المركزquot; ولأكثر من نصف قرن، فمما لا شك فيه هو أن ما حدث ويحدث للعراق من كوارث كان نتيجة طبيعية للحكم المركزي أيquot;سيادة المركزquot; وليس العكس. سيادة المركزهو الذي يفرش الدرب أمام الدكتاتوريات.

هل الحكم في سوريا وتونس واليمن والجزائر ومصر والسودان فدرالي؟ ذاتي؟ لامركزي؟ لا.....سيادة المركز فيها أقوى من الرصاص. الوضع في الراهن العراق بالرغم من كل النواقص أفضل من كل تلك الدكتاتوريات.

العراق أمامه فرصة ذهبية ليصبح دولةً ديمقراطية نموذجية في المستقبل القريب وذلك إذا ما إتفقت الأطياف جميعاً على النظام الفدرالي، الذي يحد من طغيان المركز، بحيث تشمل الفدرالية السُنة أيضاً. الإعتراف بقبول وجود الإختلافات العميقة بين السنة والشيعة وإحترام تلك الخصوصيات العقائدية بشكل علني ورسمي أفضل بكثير من اللعنات والتكفير والتحقير والشتائم من وراء الظهر وفي السر والوشوشة والتي هي سمة وشيمة مجتمعاتنا المتخلفة حيث الأفعال عكس الأقوال.....سبحان الله....

هنا تخطر في البال التجربة اليابانية في ظل الإحتلال الامريكي بعد الحرب العالمية الثانية. في عام 1945 إستسلمت اليابان بعد خسارتها الحرب. حتى ذلك التاريخ كان نظام الحكم امبراطورياً مقدساً. بقيت اليابان تحت الإحتلال الامريكي المباشر لمدة ستة سنوات. الامريكان وضعوا دستوراً ديمقراطياً لليابان وبقي الامبراطورفي منصبه كرمز حفاظاً على وحدة الشعب الياباني بينما تم محاكمة وعقاب السياسيين والعسكريين الذين كانوا السبب في دخول اليابان الحرب الى جانب المانيا النازية. بعد إنتهاء الإحتلال إحتفظت امريكا بقواعد عسكرية لا زالت موجودة حتى الآن.


تمكنت اليابان من تحقيق اعجوبتها الديمقراطية والصناعية والإقتصادية (في ظل دستور الإحتلال) والتي أذهلت العالم طيلة القرن الماضي. اليابان تعاملت مع الواقع وإستثمرت الإحتلال وحولته الى إنطلاقة نحو التقدم والبناء بدلاُ من الشعارات الجوفاء والعواطف الكاذبة و الضرب على الخدود والبكاء على الأطلال. كل ذلك حدث واليابان لم تكن بعد قد خرجت من صدمة الكارثة النووية على ناغازاكي وهيروشيما. لا داعي للتذكيربشجاعة اليابانيين أحفاد الساموراي الغنية عن التعريف منquot; الكاميكازيquot; إسم إعصار ألقي على الطياريين الإنتحاريين الذين فجروا 14 بارجة أمريكية في الحرب العالمية الثانية، وquot;هاراكيريquot; الإنتحار لغسل عار الجُبنْ. اليابانيون لم يقتلوا شعبهم من الأبرياء والنساء والأطفال كما يحدث في العراق.

لماذا لا يأخذ العراق الدرس والعبرة من التجربة اليابانية لتاسيس دولة ديمقراطية فيدرالية يشارك الجميع في بنائها، لاسيما وأن الظروف مهيأة وخاصةً الدعم الدولي اللامحدود؟.
في زمن الخلافات والمعارك بين الثورات الكردية وحكام بغداد كان الكرد في صراعهم يضطرون الى اللجوء الى العون والمساعدات بسبب الشح في الإمكانيات حتى من عدوهم الشاه المقبور، وفيما بعد من ملالي طهران وبالتالي كان يسهل تدخل هؤلاء في شؤون العراق الداخلية. ولكن منذ أن أصبح الإقليم فيدرالياً وصار يملك الحصانة في مواجهة دول الجوار و أصبح أكثرإعتزازاً بهويته العراقية في ذات الوقت. بل إنعكست الآية وصارت دول الجوار تحارب تجربة الإقليم الفدرالي بعد أن أصبحت الأبواب مسدودة في وجوههم للتدخل في شؤون العراق من خلال الإقليم.

النظام الفدرالي يفرض على الإقاليم مسؤولية الحفاظ والدفاع عن الوطن العراقي وهذه بديهية نابعة من طبيعة الأشياء.

للحديث بقية.

طبيب كردي سوري السويد
[email protected]