لعبة الكراسي أوقديم المعارضة العراقية جديدها

مات أحمد حسن البكر كمداً، ولم يعد يتذكره أحد، وأعدم قبله ب19 عاما،عبد الكريم قاسم، بعد حكم دام أربع سنوات وست أشهر وخمسة عشر يوماً، مثّل البعثيون بجثته في مقر

المعارضات والأنظمة الاستبدادية في العالم العربي 1 من 5

الإذاعة، لم ينسه الكثير من العراقيون حتى الآن، ربما هي ثقافة الثأر الدموية، تلك التي تحمل الآخرون على تذكر قاسم ونسيان البكر، رفض قاسم الوحدة مع عبد الناصر ; وأحب الفقراء، يقال أنه دفع ثمن ذلك، ولكن من أعدموه لم يلقوا مصيرا أفضل من مصيره، رغم أنهم تخرجوا من مدرسة عبد الناصر وأرادوا كل ما تقوله الناصرية، بدءا من ترييف المدن تحت بند تمدين الفلاحين وانتهاءً بسحل البشر في الشوارع، حلموا حتى في وجود دولة إسرائيلية كي يحاربوها، ولو لم يحدث هزيمة حزيران 1967 وتتكون دولة إسرائيل بحدودها الحالية لأوجدوها أو خلقوا غيرها ليحاربوها ويتفاخروا بالدماء والمذابح.

جاء بعد قاسم، نجيب الربيعي إلى رئاسة العراق، بفعل انقلاب البعث، لم يستمر إلا أياما، ومن ثم الرئيسان،عارف، قارئ بيان انقلاب قاسم ونائب رئيس وزرائه ووزير دفاعه والمغضوب عليه فيما بعد، المشير،عبد السلام عارف أولا quot; 1963ـ1966 laquo; ومن ثم عبد الرحمن البزاز مؤقتا، وسرعان ما استبدل ب عبد الرحمن عارف quot;، تم اقصاءه أيضا من قبل رفاقه البعثيين، ونفيه إلى اسطنبول ليرحل عن الدنيا في العاصمة الأردنية عمان بعد أربع سنوات من تحرير العراق من رفاقه، صعد quot;الرفيقquot; أحمد حسن البكر عبر انقلاب تموز يوليو1968، ومعه تسلل quot; القائد المهيب الركن quot; إلى السلطة ليستكمل مسلسل الدم ويعممه على الجميع وبالتساوي، توفى البكر في منزله وهو تحت الإقامة الجبرية في العام 1982، ولا أظن أن أحدا زرف عليه الدمع، إلا بعض أفراد عائلته وليس كلهم،و هو الرئيس الوحيد الذي استقال من الحكم في تاريخ العراق وحتى يومنا هذا، يقال أنه استقال مرغما كي لا يقتله النائب المتسلل والقائم الفعلي بمهام الرئاسة الدموية في العراق، تاريخ الرؤساء قبله، كان ماثلا أمامه وهو يوقع على ورقة الاستقالة أو الإقالة، ومشهد الذبح هو سبب ارتجاف أصابعه وهو يوافق على كل شيء، حتى أنه تلقى أمر استقالته وإقامته الجبرية في منزله وهو يبتسم، ولم تنته الحكاية بعد، رغم مرور غازي الياور وجلال الطالباني في أحد قصور الرئاسة، حيث مكث صدام، لكن!!.

في كل العصور العراقية الحديثة، كان ثمة معارضون ومعارضات، أحزاب ومثقفون، جلادون ومخبرون ودماء على مد النظر، أينما وليت وجهك، تسمع صرخاتهم ويأخذك المشهد بلا أية شفقة،أظنها الحالة السياسية الأغنى عربيا، فقد اعتادت العواصم شرقا وغربا من دمشق وبيروت إلى عدن وصنعاء وصولا إلى طرابلس الغرب والجزائر والرباط ومراكش أن تلتقي بهذه المعارضة، تستمع إليهم وتتعرف على همومهم أكئر من همومها أحيانا، ولا ننسى طهران التي احتضنت جزء كبيرا منها في زمن الملالي،واستفادت وتستفيد منها، لا أظنها أفادتها بشيء، هل من عاصمة خلت منهم؟، أنّا وجهت وجهك ستجدهم، ستعثر على همومهم وأحزابهم وستجد بقاياهم، حتى الآن، بعد أن حررت البلاد من بعض أسباب لجوئهم إلى تلك المنافي، حسبما تزعم الأخبار.

إذا كانت المعارضة العراقية في الزمن السابق لعصر الخيبة البعثية، قد لجأت في أغلبها إلى مصر الناصرية وعبر دمشق على الأغلب، فأن حصاد اللجوء إلى سلطة عبد الناصر الأمنية ظهرت جليا في النهايات الدموية التي رأيناها في الجمهورية الأولى quot;1958ـ2003 laquo;، وتجلت أكثر في شخص الرئيس المقبور صدام حسين، و حال المعارضة السياسية أقصد هنا الكوادر والقيادات فقط وبعيدا عن الشعراء والمثقفين الحالمين في عصرسيء الصيت، السالف ذكره، لم يختلف كثيرا، فرموزها لم يذهبوا بعيدا، وبحثوا عن أطياف عبد الناصر في كل مكان، فمنهم من حملته أقدامه إلى سوريا سوريا الأسد كما يحلو للرئيس العراقي الحالي، جلال الطالباني، أن يكررها، دون أدنى تقدير لمشاعر السوريين عموماً وأبناء جلدته من الكرد على وجه الخصوص، ومنهم من جمع بين quot; الحجتين quot; طهران ودمشق ومنهم من ثلّث وربّع فجمع سوريا مع ليبيا مع إيران مع الجزائر ومنهم من خمّس فأضاف أحد فروع شجرة لبنان الغضة إلى رباعيته.

معظم الرافضين للديكتاتورية، أياً كان منطلقهم في ذلك الرفض، وفي تلك المقاومة التي أبدوها، غادروا البلاد، فرادى وجماعات، والذين رفضوا الخروج لم يكن أمامهم إلا التصفية الجسدية أو اللجوء إلى الشمال الكردي الحزين، وحمل السلاح في صفوف البيشمركة الكرد أو بيشمركة الحزب الشيوعي العراقي، فيما توجهت غالبية معارضات الديكتاتوريات العربية إلى بغداد واستقرت فيها، إضافة إلى أن بعض من توجهوا إلى عواصم بعيدة في الغرب أو الشرق، اتخذوا من السفارة العراقية هناك حضناً دافئا ومنطلقا لهم، فماذا فعلت المعارضة العراقية في المنافي وماذا فعلت المعارضات العربية في بغداد والسفارات العراقية في الخارج؟

لست من هواة الاختصار ولا من المغرمين بالتعميم، ولكن وفي حال المعارضة، وكما أسلفنا في بداية حديثنا عن المعارضات وأنظمة الاستبداد، نستطيع أن ننطلق من النتائج لفهم المقدمات، فهي تشرح نفسها بسهولة متناهية، فقد عاد المعارضون العراقيون إلى بلادهم، لا ضير بأي طريقة عادوا، وأخذوا فرصتهم في اختبار السلطة، وها نحن نرى الآن نتائج المنفى على يوميات العراق، بعد أن غادرها المعارضون العرب أيتام صدام، أنسب المصطلحات على المعارضين العرب الذين غادروا العراق أو هجروا بوابات سفاراتها في الخارج مرغمين.

في المنفى السوري، لم تكن أمام المعارض العراقي خيارات كثيرة، ولم يكن أفضلها أحسن من أسوأها،إحداها، أن يكون تحت إشراف القيادة القومية لحزب البعث الحاكم في البلدين، والدلالات المخابراتية لهذا الإشراف واضحة لكل من يريد أن يرى، أو تحت إشراف الملالي في حسينيات السيدة زينب، وهذه الأخيرة، أوضح من أن تعرّف، وأما الحالمون الذين أرادوا الابتعاد عن الشرين، فكانت صالة مقهى الروضة في شارع العابد وسط دمشق محطة انتظار لهم، ريثما يأتي الفرج المسمى أوراق قبول مفوضية اللاجئين في أحد دول الغرب، وكل ذلك تحت أعين أجهزة المخابرات وحشود المخبرين الراصدين لكل حراك وبالتنسيق معهم، حتى أن هناك من تطوع بسعادة في صفوف جحافل المخبرين السريين، ليبعد السؤال عن نفسه ويعزز موقعه في الخريطة السورية القائمة على التراتبية المخابراتية، ولم يكن الخوف بعيدا عن أحد،رغم أن شبح صدام بعيد عن دمشق لأسباب عدائية بين الحزب الواحد في البلدين، وقصر النهاية له أسم آخر في سوريا إلا أن الخوف لم يتبدل، بل ربما تعاظم، حتى أصبح جزءا لا يتجزأ من بعضهم لا يستطيع الفكاك منه حتى الآن، رغم عودته إلى العراق المتحرر من شبح البعث ومخبريه، وتقلده لسلطات لا تقل قوة من سلطة المخابرات البعثية، إلا أنه ما زال يكرر هذايانات تلك المرحلة، كما في التعريف السالف ذكره عن الرئيس جلال الطالباني لسوريا.

أما من توجهوا إلى طهران، في حملات التطهير العرقي على أساس طائفي، انتهجها صدام، فلا حرج عليهم أمام أنفسهم، قلدوا الديكتاتور في يومياتهم، وأصبحوا يفتشون في دماء العراقيين اللاجئين هناك عن أي فيروس مضاد للطائفة، وأصبحوا خبراء في السلالات العراقية وتواريخ تلاقحها، حرصا منهم على نقاء الطائفة من السلالات الخارجة والهجينة، تكوّنوا فكريا وعقائديا في مختبرات الحرس الثوري الإيراني، وعادوا إلى العراق بعد تحريرها، ليواصلوا مشوارهم في تصفية الخصوم الأبديين إلى يوم يشاء الله ويعود الموتى من قبورهم، جريا على عادة الثأر الأصيلة والمتأصلة في الجينات والمدعومة والمحسّنة في المختبرات الإيرانية والحسينيات السورية والأيرانية، وأما من دفعه حظه العثر في مغرب الأرض، حيث سلطة بومدين وورثته من جنرالات الجزائر أو سلطة الكتاب الأخضر فحدث ولا حرج، فقد كانت السفارة العراقية أكئر نشاطا في تلك المستوطنات من كل مؤسسات المستوطنة، ولم يكن من مناص أمام المعارض العراقي، حيال هجمة رجالات السفارة والمناضلين العرب وquot;المناضلين quot; الفلسطينيين من quot;القبضايات quot; أبو النار وأبو غضب وأبو حديد ووو كل الأبوات إلا تجنب أخطار الموت، فانعزلوا، وكان اللجوء إلى الشعر وبأشكاله السوريالية والدادائية أو الكتابة في الصفحات الثقافية لجرائد تافهة، الحل الوحيد لأغلبهم، للاستمرار في الحياة مع بعض رسائل الوجع يبثونها عبر المسافات إلى الرفاق السابقين في منافي الغرب يشكون فيها حالهم ويوسطونهم لدى quot; مناضلي quot; تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، لينعّموا قبضاتهم قليلا ويسمحوا لهم بالعمل في جرائدهم الممولة من ديكتاتور العراق، غالبية المجلات والجرائد الفلسطينية كانت ممولة من صدام والباقي كانت ممولة من القذافي و الأسد.

نسبة كبيرة من المعارضين العرب، اعتاشوا وناضلوا على صدقات صدام حسين، إما مباشرة، أو عبر وكلائه المنتشرين في العالم أو عبر السفارات العراقية، ولم تفعل المعارضة العراقية في المنافي العربية والمنفى الإيراني إلا الشيء ذاته، التمويل من أجهزة الأمن الشبيهة بجهاز صدام وبإملاءات متشابهة وخدمات لا تنتهي، متناسيةً الجرح الذي تسببه المعارضون العرب والإيرانيون في صميم قضيتهم، وكانت نهاية وكلاء صدام من معارضات عربية ومناضلين فلسطينيين إما التصفية كما حال quot; أبو نضال quot; وكوادر جبهته الذين أصبحوا أثرا بعد عين، أو البحث عن مصدر آخر شبيه بصدام ومهما كانت الإملاءات، وكارثية تبديل البرامج وآليات العمل والشعارات، فيما واظب المعارضون العراقيون الممولون من الآنف ذكرهم بعد عودتهم من المناقي، ارتهانهم للأنظمة التي أوتهم، ولم يتغير الحال أبدا رغم ما يتوفر لهم في أيامنا هذه من إمكانات مادية وبشرية تضاهي، كل ما يمكن أن تقدمه لهم دول المنافي السابقة، لكن من شب على شيء شاب عليه، هذا ما تقوله خارطة المعارضات العربية المولودة من رحم أنظمة دموية واللاجئة إلى أنظمة لاتقل دموية من أنظمتهم، يبدو أنها لا تريد إلا معاودة المأساة، فهل ستنجو المعارضة العراقية الجديدة والتي ستلد من رحم الكوارث الممتدة على طول التاريخ العراقي الحديث من معاودة المعادلة الكارثية تلك؟ سؤال ترسم ملامحه مؤشرات تدفعنا إلى التفاؤل، ولكن ولكثرة احتراق شفاهنا من الشاي العراقي المغلي بتنا ننفخ في الثلج، كما يقول المثل.

سؤال: من يقتل من في العراق اليوم؟ سؤال مراوغ وماكر، بل أنه سؤال مخادع ويحمل زيفه، يردده البعض ببلاهة وآخرون بكل سوء طالع ونية، اللوحة واضحة، أنظمة الاستبداد العربية ونظام الملالي وعبر رجالاتهم من المعارضين السابقين، ومن أيتام صدام، الذين وجدوا ضالتهم في أنظمة أخرى، يدركون تماما خطورة عودة العراقي الضال إلى مدنيته، إلى حريته، كل جهودهم السابقة، طوال سنوات الدم والوجع ستذهب سدىً، لو تحرر العراقي من خوفه، ولنا في العراق نموذجا ربما سيتكرر في غالبية الدول، وما يحدث اليوم في بغداد ليست النهاية وإنما بداية شيء لا بد له أن يأتي،وأظنه سيكون نموذجا لغيره من دول الاستبداد المحيطة وهذا ما ترغب به تلك الانظمة، فتصب سهام حقدها ونارها لتقتل المزيد من العراقيين وبأيدي مأجوريها كل يوم.

الحلقة القادمة quot; الإخوة الأعداء، الشيوعيون والأكراد في العراق quot;
[email protected]