تركض الايام.. ولا يسعني الا ان انجرف معها، ان تأخذني نهاراتها.. فأطيع أمرها، وان تغشاني لياليها.. فأذعن، يطيعها الجسد ويذعن لها، ولكن الروح..، ما أقساها، تظل ثابتة لا تتحرك، واقفة في النقطة التي صرخت فيها صرخة من قرارتها وشقت قميص القلب، امام ذلك القبر الذي يضم رفات المرأة العزيزة التي حملت الان لقب (المرحومة)، تظل.. الروح واقفة لكنها تنز دمعا وحزنا، وتهتز كالسعفة في الريح، ولا تقوى على ان تمتلك قدرا بسيطا من الصبر، لا اعرف ما يحدث.. لكنني طوال ساعات اليوم اجدها راكضة مسافات طويلة من بغداد الى النجف، حافية، حاسرة،غائمة،منحنية، لاهثة، نائحة،ناقمة،كئيبة، متعبة جدا، لا تأبه بشيء، لا توقفها الانكسارات التي تتفاجأ بها ولا وجع العيون التي تضاءل نورها، وفي كثير من الاحيان تشعر بأنطفائه،انطفأ النور في عيوني ولم اعد ارى الا بالقليل، ارتدي نظارات طبية،ويصعد (السكري) في دمي، ويهبط الضغط، وليس بيدي ان لا اقلق او لا ابكي او يتشقق وجهي، اقول للروح : ايتها الروح الجبانة..

اصبري، احتملي، عاندي، كابدي، صابري من اجل هؤلاء الذين لم يعرفوا بعد مسالك الحياة ولم يدخلوا معتركها، من اجلهم.. تماسكي، اهدئي، اقنطي، اصمدي، تدرعي بالقوة، تظاهري بالتحدي، حافظي على توحدك، احتملي الالم، تجاوزي الوجع، اتئدي، كابري، ولكن بلا جدوى، بدون امل، من غير حظ.

هذا شهر رمضان.. جاء، هو اول رمضان لي بدونها، اول رمضان من 21 رمضانا غائبة عني فيه، ألتفت في الارجاء، اذهب الى المطبخ عسى ان اجدها تعد طعام الافطار، انظر من السلم عسى ان اجدها قادمة من السوق، أسال بناتي عنها ولا اجد غير شفقة وعطف، اشعرني هيكلا فارغا، لم تذكر لي في رمضان الماضي انه سيكون الاخير لها، كانت تأمل ان تصوم شهرا اكثر حرارة، وتتحدى ان تصومه، في رمضان الماضي رفعت يديها تدعو ان يحفظني الله، ان يحفظني وابناءها، كانت تكرر الدعاء وكنا نبتسم لكلماتها الطالعة من اعماق نفسها، ومن ثم تغرورق عيناها بالدموع، ونحن نبتسم لمرآها، يا ألهي.. اي حزن يبعث....... رمضان؟