إصلاحات العبادي والدولة العميقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لايبدو إلى الآن أن حزمة الإصلاحات التي أقرها مجلس الوزراء ومررها البرلمان العراقي، وإن كانت جيدة كبداية، تلبي مطالب المتظاهرين المتنامين والمتزايدين عددا ً وتأثيرا. فإصلاحات العبادي تصب في خانة الترشيق الحكومي، وإن كانت ضربة موجهة لبعض القوى والأحزاب، إلا إنها لاتعدو من أن تقلص حجم الأنفاق الغير مبرر في وقت تهبط فيه أسعار النفط مسببا ً عجز في الميزانية. فهي لاتمس هموم المواطن المباشرة في موضوع الخدمات ولا هي بخطوة أولى للقضاء على الفساد. لم يمس السيد العبادي وإصلاحاته إلى الآن الدولة العميقة في العراق فهي المهيمنة على مكامن القوى في الحكومة والبرلمان وباقي المؤسسات الرسمية والشبه مستقلة. لايستطيع السيد العبادي بكل قوته أن يسقط تلك الدولة العميقة التي تعيش على ماكنة الفساد ولكنه بالتأكيد يستطيع أن يلوي ذراعها وأن يضعفها بتقليم أظافرها.
الدولة العميقة هي مجموعة من القوى والتحالفات داخل الدولة وخارجها أفقيا ً وعموديا ً تربطها شبكة من العلاقات الغير رسمية، لها مصالح وأهداف مشتركة وتعمل بشكل غير منظم وممنهج ولايعرف بعضها البعض في الغالب، فلا شكل لها ولاكيان فهي هلامية بلا ملامح. تحاول تلك القوى أن توجه السياسات العامة للدولة بما يخدم مصالحها من خلال الهيمنة والنفوذ بأذرع مختلفة متغلغلة في الطبقة السياسية، والنظام البرلماني التشريعي، والنظام القضائي، والنظام المالي من خلال رجال أعمال ومتنفذين من التجار، والثقافية والإعلامية من خلال مثقفين وفنانين وإعلاميين تشتبك مصالحهم مع تلك الدولة، والأخطر هو ذراعها الأمني في شبكة من الضباط والأمنيين في الجيش والشرطة والمخابرات. أن مصطلح الدولة العميقة له جذوره في تركيا العلمانية في بداية نشئتها حينما كانت هناك قوى من إرث الخلافة العثمانية دخلت في النظام العلماني الجديد وتستخدم الديمقراطية لضرب الديمقراطية. فهي الدولة الموازية أو دولة داخل الدولة تعمل بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة على ضرب الدولة من داخل الدولة نفسها بإستخدام نظامها. ففي مصر لم يستطع مرسي الإستمرار بعد أن تخلت عنه المؤسسة العسكرية والداخلية والجهاز القضائي والإعلام وهما جوهر الدولة العميقة في مصر.
أما في العراق فكلنا يعرف من يمسك الدولة العميقة من قوى اسلامية محافظة، سنية وشيعية، هيمنت على مؤسسات الدولة وبنت شبكة من العلاقات المصلحية المشتركة تغلغلت في جميع مفاصل الدولة وهيئت قاعدة جماهيرية كبيرة ولها أذرع مليشياوية طويلة. إن مايوحد تلك القوى المحافظة على اختلاف مذاهبها هو الفساد بشقيه المشرعن وغير المشرعن. لاننسى هنا بأن المرجعية الدينية وفرت الغطاء الشرعي في دعم قائمة التحالف للفوز في الإنتخابات بأسم الديمقراطية مع أن كل أدبيات تلك الأحزاب تخلو من كلمة الديمقراطية. تصاعدت الهيمنة في زمن المالكي الذي حاول السيطرة على المؤسسات المستقلة مثل نقابة الصحفيين، السيطرة على القضاء، الإستحواذ على شبكة الإعلام العراقي، الصراع على البنك المركزي في زمن الشبيبي، الإتحادات الرياضية، الوقفين الشيعي والسني وغيرها مثل إنشاء مجالس الإسناد للعشائر. ولكن، وبعد فترة، بالخصوص تحذيرات الحوزة للمالكي ورفع اليد عنه والنأي عن دعم أي حزب أو قوى وتصريحها بأنها تقف على مسافة واحدة من الجميع فقدت الدولة العميقة الغطاء الشرعي الذي غلغل نفوذها وأنها فكرة الولاية الثالثة للمالكي. لكن، إلى الآن مازلت الدولة العميقة تهيمن على مفاصل الدولة والمؤسسات بالخصوص القضاء والبنك المركزي وبعض الهيئات المستقلة.
نعم، لقد خرجت الجماهير في كل مكان، ووقفت المرجعية مع مطالب المتظاهرين التي تحاول قوى الدولة العميقة مصادرتها. تلك القوتان مهمتان لإجراء إصلاحات لكنهما غير كافيتين لإتمامهما لتغلغل قوى الدولة العميقة في كل مفاصل الدولة. ولو فرضنا أن العبادي إستطاع حل البرلمان فأن نفس القوى ستعود من جديد لنفس الوجوه الكالحة لعدم وجود قوى سياسية منظمة داخل وخارج البرلمان توازي في قوتها القوى المحافظة المهيمنة على صياغة السياسة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للدولة. لذلك، لابد من إجراءات يتخذها السيد العبادي، وخطوات يتخذها المتظاهرون لإنجاز واتمام حركة الإصلاح التاريخية بعد أن سحبت المرجعية البساط من تحت كل قوى الإسلام السياسي. فعلى العبادي البدء بسحب يد الدولة من الهيئات المستقلة بالخصوص البنك المركزي الإعلام والمفوضية العليا للإنتخابات وإخراجها من دائرة المحاصصة الطائفية. إصلاح القضاء من رئسه حتى قدميه والحرص على الحفاظ على إستقلاليته التامة. تشكيل حكومة تكنقراط وإنتخاب مستشاريين مستقليين يصوغون طبيعة السياسة الاقتصادية والاجتماعية واستراتيجية العلاقات الخارجية من جديد وبما يتلائم مع الدستور. تلك الخطوات ستلوى ذراع الدولة العميقة وتحد من نفوذها. ولاننسى هنا فتح ملفات الفساد بكل عناوينها.&
أما ماعلى المتظاهرين فلابد من إنجاز شيئين مهمين الأول تكتيكي والثاني استراتيجي من خلال تجارب سابقة بالخصوص مصر. أما التكتيكي فالإسراع بتنظيم لجان تنسيقية بين المحافظات توحد مطالب المتظاهرين والتي ستفرز قيادات ورموز غير ملوثة بالفساد كطبقة سياسية جديدة نابعة من الجماهير وتبني تحالفات مع قوى داخل البرلمان من قوى مدنية وخارجه كالمرجعية الدينية. أما الاستراتيجي فالحرص على تدشين حركة سياسية اجتماعية كباقي الحركات في كل دول العالم هدفها بناء كتلة برلمانية بديلة للكتلة المحافظة تكون ند لها ومعارضة لها. ترتكز تلك الحركة وتتحالف مع منظمات المجتمع المدني وتتحالف مع النقابات والاتحادات الطلابية والنسائية وغيرها من أجل التواصل مع كم أكبر من الجماهير. العمل على تقوية تلك النقابات والاتحادات فهي مغيبة بفعل فاعل بالخصوص النقابات العمالية والحركات النسوية والاتحادات الطلابية.&
من جديد، أن طريق الإصلاح طويل جدا ً ليلمس المواطن ثماره لكن البداية قد حانت الآن. الفرصة مؤاتية الآن لكل من الجماهير التي سوف لن تسكت على فساد الطبقة السياسية من جديد. لكن، أمام تلك الجماهير طريق طويل للتغير بحاجة لصبر وتخطيط ودعم وتحالفات داخلية كثيرة ودعم خارجي من خلال الإعلام الغربي بالتواصل مع صحف وشبكات إعلامية عالمية ومنظمات مجتمع مدني دولية تتبنى وتساعد على التمنية البشرية والتحول نحو الديمقراطية.&
&
imad_rasan@hotmail.com&
التعليقات
أول من يجب اصلاحه...
حمد -و المشكلة أن أول من يجب اصلاحه هو العبادي نفسه .... هل سيتطرد فرق الموت العاملة في حكومة العراق و قياداتهم مثل هادي العامري و حاكم الزاملي و غيرهم الكثير؟؟؟ أم انه يطبل للغرب و يسكت الشعب الآن و بعد شهر و شهرين و ثلاثة اشهر -- نرى ان الوضع لم يتغير و أن الحرامية مستمرين في سرقة و نهب أموال العراق و على رأسهم العبادي!
سبحان مغير الاحوال
عبـد الحـق -سبحان من غير الاحوال ، وجعل كتابنا يتعاطفون مع الجماهير المنتفضة ولو شكليا كما صادق الكثير من النواب على الاصلاح مرغمين ومنهم القتلة والفاسدين .!
تعليق
ن ف -لا أعرف لماذا قرأت العنوان على الشكل التالي: إصلاحات العبادي والدولة العميلة! بالمناسبة، هل الحكومة العراقية عميلة؟ إذا كانت كذلك، فلِمن ولماذا؟ تخيلات وأسئلة فنتازية طرأت على بالي مثلما يسرح بال المؤمن في الصلاة.
إلى عبد الحق
ن ف -ماذا تعرف عن الكاتب؟
مقال مرهف و مسلي
جويبر ابو التمن -بعد بيتي الكاتب , بويه ليش متعب نفسك ومضيع وقتك الثمين وحارق اعصابك الخ , هسه يجي عاشور والوادم تجلد ذاتها بمباركة المرجعية والنخب الدينية والتي هي نفسها سياسية صارت , تطبخ وتنفخ للمومنين وترفع اللافتات وصور علماء اللاهوت والجنجلوت ويصار الى طبخ القيمة والسفجون وتملأ البطون فينسى الشعب مصيبتة فلا مظاهراتون ولا هم يحزنون . واخر دعوانا ان اللاهو فاكبر خوميني رهبر ونامي جياع الشعب نامي.
اكرام العراق دفنه
فريد صويلح -انتهى أمر العراق. إكرام الميت دفنه، وفي حالة العراق تقسيمه.
المعلق ن ف
جويبر ابو التمن -عزيزي ن ف ازعجتني وانت تعلق او تتفنطز على مقالة و هامة . تعلمت اليوم ان العراق دولة عميقة وقد عصرت 5 كيلو من الليمون الاخضر الحامض كنت قد ادخرتها لجلسة جن وطلي حنيذ مع اصحاب السوء , كنت احاول ان ابلع ان عراق يدار بال س م س والتلفون وزعيق سليماني عميق ! حاولت ان ابلع ان للعراق منظمات للمجتمع المدني! ان للعراق مرجعية وطنية غير مسيسة ولا تسير في فلك الاخرين! ان هناك حوار بين المرجع الذي لا يحب ان يمشي في الشوارع ولا يختلط بالناس وبين المسحوقين والمغيبين من مساكين الناس! رجل يعرف بالاقتصاد والسياسة والادارة وعلوم البطيخ بمنة لدنية ! يقول فنتبع ويسكت فنسكت وان سحقنا وسلبت حقوقنا ! ابوية مفرطة وكوميديا حالكة كسواد اللعنة! عندما تخرج تظاهرات من كلية الهندسة والاداب الخ تنتصر لكسر ضلع الزهره فاقرأ على العقل السلام وعلى المنطق التحيات , يا رجل اصبح العراق يسير نحو الخراب المفجع بتعجيل متسارع , غيبت العقول ومسخت وتفهت القيم والاخلاق وزقت السلبية وثقافة القطيع زقا في عقول الناس . الان نأتي الى الحل وهناك حل واحد ولا حل سواه , هو ان يفهم الناس انهم كائنات لهم عقل وقادرة على التفكير وايجاد الحلول وان الد اعدائهم ومن سلبهم انسانيتهم وحريتهم هم وكلاء الله على ارضه, ان يفهم الناس انهم يستطيعوا ان ينجزوا ويعملوا ويتناسلوا دون وصاية وقوننة وشرعنة بائسة . هسه اروح الى جلسة الجن وجيرز مقدما الى الاخ ن ف ودير بالك لا تتفنطز ولا تتمنطق فاخاف ان يقول القوم من تمنطق فقد تزندق وتصير مشكلة والكاتب الهمام تنجرح مشاعره بكسر تقليد المقلد ومن مات و لم يعرف امام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية .
الى ن ف/4
عبـد الحـق -اخي (ن ف) اعتذر ان كنت مسيت السيد الكاتب بسوء ، فكاتبنا وطني يسعى لخير العراق وما جاء في مقالته من توجيهات وتوضيحات يدل على نضج ثوري وصدق في محاولة انتشال البلد من حالة التردي العميق التي اصبح فيها ، بسبب السياسات الفاشلة للحكومات السابقة والفساد المستشري الذي اعمى العيون عن معالجة مشاكل الوطن والناس المظلومة بسبب الجوع والبطالة والفساد والاهمال المتعمد ناهيك عن الاحقاد والمؤامرات التي مزقتنا وجعلتنا نتقاتل فيما بيننا
احمدوا ربكم
صوت الحق -الحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه ان اطال في اعمارنا لنرى عراق يخرج الملايين في مظاهرات ضد الحكومة اسبوعياً ويعودون الى بيوتهم سالمين . متى سمح جيرانكم بهذا ؟ واي حكومة سابقة وفرته للعراقيين ؟ لو فكرتم بهذه السطور لعلمتم لماذا مر العراق بكل المصائب منذ ٢٠٠٣ ولكنه لن يعود الى حظيرة العبيد ابداً...
إلى عبد الحق
ن ف -شكراً لك أخي الكريم. تمنياتي لك بوافر الصّحة.
صوت الحق/9 لكل شيء سببا
الدفاعي -ما تفضلت به صحيح ، ولكن لهذه المظاهرات ظروفها الخاصة واسبابها التي لايمكن لاي مسؤول ان يقف بوجهها ، فقد اتضح لهم انهم خدعوا وكانوا لعبة بيد من انتخبوهم ،فقد اثروا على حسابهم ونهبوا وسرقوا ثروات البلاد وعاثوا ظلما وقتلا وفسادا دون ان يوفروا لناخبيهم الامن والخدمات التي تحفظ كرامتهم وانسانيتهم ، ولا يفوتك ان العبادي الان بحاجة لهذه المظاهرات ليقوي مركزه ويخرج من شرك المالكي وعصاباته ، ويشرع في الاصلاح الذي واعد به قبل اختياره رئيسا للوزراء خاصة وان البلد اصبح على حافة الانهيار التام .......علما ان المظاهرات التي سبقتها في عهد مختار العصر قد اهينت وحوربت ، وان مظاهرات اخرى قد قمعت واستغلت لاحداث فتنة لتدمير مناطق مقصودة وكانت سببا لدخول داعش والارهابيين فيها وكادت ان تدخل بغداد لولا ان حمى الله اهل بغداد منها .