الكهرباء في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
اعتاد العراقيون على تسمية الطاقة الكهربائية المُجهزة من محطات حكومية تُنير بيوتهم وتُشغّل معاملهم وتُحرّك اقتصادهم بـ"الوطنية"، رغم أن تلك الطاقة التي تحمل عنوان الوطنية فاقدة للسيادة. فلا يزال العراق يستورد الغاز المجهز للمحطات الكهربائية بمليارات الدولارات سنوياً من الجارة الشرقية إيران، ولا يزال هذا البلد يتسوّل الطاقة من جارته الأردن ويسعى إلى الربط الخليجي لإدامة استمرار الطاقة في بلد يُصنّف من أغنى البلدان بثرواته الطبيعية وغير الطبيعية فوق الأرض وتحتها.
يُقال إن مصر قامت ببناء ثلاث محطات عملاقة للقضاء على مشكلة الطاقة الكهربائية بكلفة 9 مليارات دولار وفي مدة لا تتجاوز سنتين، فيما يستورد العراق الغاز من إيران بمبلغ يفوق 6 مليارات دولار سنوياً.
الوطنية في العراق يقابلها تجهيز المولدات الكهربائية بالطاقة، والتي تناسلت بعد عام 2003 وغزت الأزقة والشوارع وتسير في خط موازٍ للوطنية في إنارة منازل العراقيين.
غابت عن ذاكرة العراقيين الذين ألبستهم أميركا ثوب الديمقراطية أن النظام السابق استطاع أن يُعيد محطات الطاقة إلى وضعها الطبيعي في أشهر معدودة بخبرات عراقية محلية بعد انتهاء حرب الخليج الثانية في زمن حصار خانق.
أكثر من 20 عاماً موسوماً بالعجز والفشل في إيجاد الحلول لمشكلة انقطاع الكهرباء بالعراق بالرغم من الموازنات الانفجارية ووعود موسمية بتحسن التجهيز اعتاد العراقيون على سماعها تخرج من أفواه المسؤولين عن هذا الملف دون أي مُرتجى.
يُقال إن وزير الطاقة الياباني وقف 20 دقيقة صمتاً لأن الكهرباء انقطعت عن بلاده، ترى كم سنة يحتاج المسؤولون عن الطاقة في العراق للوقوف اعتذاراً للشعب على ذلك التقصير؟
مشكلة التجهيز الكهربائي هي أزمة سياسية بامتياز وليست فنية. مشكلة بات العراقيون يعتقدون أنها تحتاج إلى تدخل أممي أو قرار من مجلس الأمن تساهم فيه دول وشركات عالمية لإعادة المنظومة الكهربائية بالعراق.
بالمحصلة، إن استمرار الأزمة وإشغال الرأي العام بها كفيل بالتغاضي عن كثير من القضايا والأزمات التي لا يريدون لعقل المواطن البسيط أن يحاسبهم أو ينتقدهم، لذلك كان الحل بالإلهاء بأزمة الوطنية، خصوصاً مع اقتراب فصل الصيف اللاهب في العراق الذي تتخطى حرارته أكثر من نصف درجة الغليان.
أكثر من 80 مليار دولار أُنفقت على قطاع الطاقة فقط، تكفي لبناء عشرات المحطات أو حتى محطات بالطاقة النووية. نُهبت هذه الأموال في قضايا فساد وهدر للمال العام أو ضاعت في جيوب الفاسدين، حتى راح المواطن العراقي يسمع ويشاهد سرقات قرن دارت أحداثها بين أروقة شخوص وأحزاب تعتاش على ملف الطاقة في نهب المليارات، ابتداءً من جشع بعض أصحاب المولدات وصعوداً إلى المسؤولين عن هذه الوطنية.
إقرأ أيضاً: الاشتباك على أرض محايدة
في نكتة مبكية مضحكة يضطر صديقي إلى تشغيل مكيف السيارة وجعلها غرفة نوم لرضيعته هرباً من حرٍ لا يرحم.
في الوقت الذي أصبح فيه العالم عبارة عن قرية صغيرة يعيش العراقيون ضمن هذه القرية، اعتادوا على سماع قصص تجهيز الطاقة من النفايات أو من أشعة الشمس أو حركة المياه. بل راح بعض رجال السياسة والاقتصاد يتحدثون أن تجهيز الكهرباء بات لا يشكل أي مشكلة في التصنيع مع توفر التكنولوجيا الحديثة.
وجود المولدات الكهربائية التي أصبحت تنتشر كالثقوب السوداء في أزقة وشوارع بغداد منافساً شرعياً للوطنية التي تتشدق بها وزارة الكهرباء على شعبها. ولذلك بدأت الأصوات تتعالى من هنا وهناك بضرورة إنشاء وزارة متخصصة للمولدات تهتم بأمور مكائن توليد الطاقة، لكن الخوف أن يشمل هذه الوزارة كحال غيرها مبدأ المحاصصة وربما جعلها وزارة سيادية.
إقرأ أيضاً: ومن الرأي ما قتل
موازنة الكهرباء في عام 2024 تبلغ أكثر من 14 مليار دولار وهي تعادل موازنة دولة مثل الأردن وأكثر من ثلاثة أضعاف الموازنة العامة في سوريا التي لم تزد عن 4 مليارات دولار، فهل هناك أكثر عزاء للعراقيين من ذلك؟
لم تعد صرخات الأطفال وأنين الكهول والمرضى تُجدي نفعاً لإيجاد حل لمشكلة الكهرباء التي باتت تؤرق العائلة العراقية مع اقتراب لهيب الصيف في العراق ما دام رجال السلطة يعيشون بألف خير ولتذهب صرخات الشعب إلى الجحيم.
التعليقات
ثوب الديمقراطية
صالح -استاذنا العزيز. امريكا البست العراقيين ثوب الديمقراطية ولكنهم نزعوه ولبسوا ثوب العمالة الايرانية. النظام السابق ارضع العراقيين الرشوة والمحسوبية والمنسوبية والسرقة وداء اسمه ((العشائرية))ولكنه كان صارما وكان وكانت كل اموال الدولة بيديه ويفعل ما يشاء, اما الان لا يريد احدا من الحرامية المتربعين على السلطة ان يصرف من الاموال التي سرقها على المشاريع . لا تحملوا امريكا فشل العراق, اليس كل العراقيين يؤمنون بقول الشاعر:اذا الشعب يوما اراد الحياة...فلابد ان يستجيب القدر.
كلامك صحيح
متابع -نعم بكل تأكيد لولا فساد وغباوة الحكم في العراق، لكانت مشكلة الكهرباء قد تم حلها وتم التخلص من كل المولدات الأهلية منذ سنوات. هذا لا شك فيه. والتخلص التام من كل المولدات الأهلية هو ضرورة بيئية وليس فقط لتحسين الكهرباء، لأنها من اكبر ملوثات البيئة في العراق ووجوها يزيد من خرارة الجو بشكل كبير.لكن ايضا، وكما في الدول المتقدمة التي يتوفر في معظمها (وليس كلها) الكهرباء لمدة 24 ساعة يوميا، فلا بد من رفع سعر الكهرباء قليلا حتى لا يسرف المواطن العراقي في استعمال الأضواء والأجهزة الكهربائية، لأنه معروف ان المواطن يفعل كل ذلك، يشعل اضوية بيته كلها حتى في الأماكن التي لا يحتاجها, وفي الأماكن التي يستخدمها يشعل من الأضوية ما تزيد عن الحاجة وتتعب العين. وفي الأماكن العامة يكون الأمر اسوأ بكثير.