ليس هناك ما يخفى، فمع وسائل التواصل الاجتماعي تبعثرت الخصوصية حتى أصبحت من الماضي، الحياة اليومية في متناول الجميع، الأخبار الخاصة والعامة أسهل من أن تبحث عنها، هي تأتي إليك، لم يعد هناك من يملك خصوصية في هذا العالم، وليس بمقدور أحد أن يحافظ ولو على جزء منها خلال يومه.

في كل مكان أنت مكشوف، في المنزل والشارع والسيارة وحتى المصعد ودورة المياه، كل شيء يفضحنا، لذا عليك أن تكون صامدا حتى لو حكة أنف بسيطة طرأت، تجاوزها لأن هناك من سيجدها وقد ينشرها، كل شيء موجه كاميرات من محيطنا الصغير، ولا عليك وسائل التواصل الاجتماعي، تلاحقنا وتوثق تحركاتنا والتفاتاتنا، وما نريد أن نطمس عن أعين الفضوليين، بات متاحا لكل الناس.

خصوصيتنا أصبحت في مهب الريح، بل إنها من الماضي، حياة الكثيرين عرض خاص يشاهدونه يوميا، وماذا بعد في زمن لا ندرك حجم المأساة التي تعيشها من جراء ذلك، حتى في حساباتك الشخصية على تلك المواقع بإمكان الموقع أو متمكن "هكر" أن يكشف كل شيء، فنحن بغير غطاء أمام الآخرين، والآخرون مكشوفون لنا، لقد سُلب العالم خصوصيته بطريقة انتهازية تتنامى قدراتها ولا يستطيع أحد إيقافها.. ومعها وتحت رحمتها لا نعلم في أي اتجاه نحن سائرون.

ومع الكارثة التقنية هذه تفاجأ حين الخوض في مثل ذلك بأن "أسطوانة" الخصوصية تدور وتدور لتلغي كل ما عداها، وفي رأي أصحاب الأسطوانة أن نتخذ موقعا قصيا ونبتعد بشكل كامل عمّا ينتهك الخصوصية، وإن بحثت معهم كيف نقوم بذلك، فلا إجابات؟! وكل ما عليك هو أن تقتنع وكفى! ما ندركه ونعلمه أننا مثل غيرنا، أصبحنا قريبين ومتداخلين مع هذا العالم الكبير، نتواصل معه باستمرار، ونعايشه سياسة واقتصاداً وحتى مؤثرات غذائية واجتماعية، وإن ثمة خصوصية حقّ لنا أن نفتخر بها ونؤكد تميزنا بها عن هذا العالم، فهي تخص أن بلادنا - حماها الله - هي مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين ووجهة الحاج، أيضا من ضمن الخصوصيات الأعظم أننا ننتمي "إلى خير أمة أخرجت للناس"، وننعم بقيادة ملهمة، ومن خصوصياتنا التي نفتخر بها أيضاً أننا نتحدث بلغة القرآن.

في زمننا الجاري تلك هي الخصوصيات ونرفض جميعاً كل ما يبدلها أو ما يمسها، أما ما عداها، فأخبرونا عنه عفا الله عنّا وعنكم، ولعمري إنها خصوصيات يشترك معنا فيها كل إنسان على وجه البسيطة، لذا كان من الجدير أن يكون خطابنا في التعريف بكيفة المساهمة في عدم انتهاك الخصوصية بالضبط والربط والقيم الأخلاقية التي تعيننا على فعل الصحيح، لكن أن نضع لأنفسنا موقعا بعيدا عن العالم وتقنياته نحرّم على الآخرين أن يبلغوها، أو حتى أن نستكثر عليهم بلوغها فنحن وإياهم متشابهون في كل شيء، ما عدا ما ذكر، وتفرض المصلحة في أحيان كثيرة ووفق الرسالة المحمدية أن نساير ونتعايش.. لا.. أن ننغلق ونرفض.