قد لا يكون اسماعيل الخطيب شهيداً الا بمقياس شركائه في العقيدة واهله وابناء قريته. وقد لا يكون ارهابياً الا بمقياس سلطة صارت تحتاج الى الارهابيين حتى تبرر بقاءها. لكنه بكل المقاييس ضحية، وضحية مرتين، بل ثلاث.

مات اسماعيل الخطيب في الاعتقال خلال مرحلة التحقيق معه. وسواء قضى تحت التعذيب او نتيجة اهمال القيمين على التحقيق والاعتقال، فإنه راح ضحية نظام امني لا يقيم اعتباراً لحقوق الانسان. بل نظام يعدّ التعذيب الجسدي اداة عمل عادية. فالتعذيب واقع يومي في معظم مراكز الاعتقال في لبنان، ويطول كل من لا يملك «حماية» ممن يدخلون السجن لسبب او لآخر. فكم بالحري في مراكز الاعتقال العسكرية التي ترفض السلطة اللبنانية ان يتفقّدها الصليب الاحمر الدولي، الامر الذي دفع الاخير الى الاحجام عن تفقّد المراكز الاخرى رفضاً منه لشرعنة الاستثناء العسكري الذي قضى اسماعيل الخطيب في ظله.

مات اسماعيل الخطيب وهو متهم بقيادة شبكة ارهابية مرتبطة بتنظيم «القاعدة». وسواء صح الاتهام او لم يصح، وسواء كان اسماعيل الخطيب ارهابياً ام مجرد رجل ملتزم دينياً يسهل تضليله والايقاع به، فانه راح ضحية سلطة عانت ولا تزال فصام الشخصية في ازاء الحالة الاسلامية، وتحديداً شقها السني كما بات يقول اهالي قريته مجدل عنجر الذين صعقهم الانتقال من اجواء رسمية بدت لهم مشجعة، الى الاستعداء. تلك الازدواجية ليست جديدة. فمن دون الرجوع الى المفارقة الكبيرة للحكم السوري الذي قاتل جماعة «الاخوان المسلمين» بشدة بلغت اوجها في تدمير احياء كاملة من مدينة حماه عام 1982، ثم عاد بعد زهاء عقدين من الزمن يستدرج الاسلاميين السوريين واللبنانيين لخدمة خيار تضييع الوقت في العراق، ثمة علامات استفهام مريعة حول التعامل الرسمي، اللبناني والسوري، مع الحالة الاسلامية السنية في لبنان، وملفه التوأم المسمى «البؤر الامنية».

فمن اكتشاف بؤرة جبال الضنية بين ليلة وضحاها، فالانقضاض عليها، الى تعميم الفوضى في مخيم عين الحلوة، حيث يُُمنع ادخال مسمار اذا كان سيستخدم لترميم بيت ويُسمح بدخول آليات رفع اذا كانت لبناء مسجد لاحد التنظيمات الجهادية، وحيث تلتقي الحاجة الرسمية اللبنانية الى تضخيم «خطر التوطين» مع مصلحة الحكم السوري في ابقاء الاوراق كلها في يده، وصولاً الى تشجيع المتطوعين من طرابلس وصيدا والبقاع للذهاب الى العراق لمؤازرة الحكم البعثي هناك في وجه الهجوم الاميركي، وبعد سقوطه التغاضي عن عمل شبكات «المجاهدين» التي تضخ المرشحين للعمليات الانتحارية في اتجاه ابو مصعب الزرقاوي وامثاله، يحق لدعاة الحالة الاسلامية ان يشعروا بالخذلان. لكنه لا يحق لهم الاستغراب. فقد كان بامكانهم ان يستشعروا هذه الازدواجية منذ فترة. ففي مقابل تشجيع «الجهاد» في العراق وداخل عين الحلوة، صار واضحاً ان الاسلاميين (السنيين) المتشددين هم الاكثر عرضة اليوم لاصناف التعذيب في المعتقلات، اسوة بما جرى لمعتقلي «القوات اللبنانية» في منتصف التسعينات. ثم ان السلطة التي تبارك «الجهاد» في خطابها، وتدفع بالمزيد من الشبان اللبنانيين الى الانتحار في العراق وتلف مراسم تشييعهم بغلاف من الصمت، هي نفسها السلطة التي تتخذ من وجود شبكات «جهادية» تهيئ، على ما قيل ويقال، لاعتداءات ضد مصالح الدول الغربية، مسوغاً لتسويق فضائلها عند تينك الدول. فلا غرابة ان يستحيل اكتشاف الشبكة الاخيرة التي اتهم اسماعيل الخطيب بتزعمها، حجةَ لاستدامة هذه السلطة بعدما نفدت كل الحجج.
مات اسماعيل الخطيب في مرحلة انتهاء الوصاية السورية التي افتتحها خطأ الاصرار على التمديد للرئيس الحالي. وسواء كان يؤيد التمديد او لا يؤيده او لا يبالي به، فانه راح ضحية هذا التخبط اللبناني والسوري امام الضغوط الدولية وسوء الفهم المفزع لما يجري في العالم.

آن لهم ان يفهموا. ولن يجديهم نفعاً ان يحاربوا الارهاب، فهذا عند الاميركيين محض واجب ولا شكر عليه. ولن يفيدهم حتى ان يجدوا ايمن الظواهري او ابو مصعب الزرقاوي في قرية لبنانية منسية، فهذا عند الاميركيين اعتراف بخطأ سابق لا بد من معاقبته. ولن ينقذهم ان يفرطوا في تعذيب الاسلاميين، او غيرهم من المعتقلين، فهذا عند المجتمع الدولي اثبات على همجية نظام لا بد من التخلص منه.
فعسى ان يكون اسماعيل الخطيب الضحية الاخيرة.