رجال سورية في لبنان
اميل لحود انتخبه حافظ الاسد قبل انتخابه لبنانيًا
رجال سورية في لبنان:
بلال خبيز من بيروت: يروى في لبنان ان اللواء غازي كنعان ادار معركة انتخابات عام 2000 في بيروت والجبل في مواجهة اميل لحود. تلك الانتخابات اسفرت عن فوز كاسح للائحة جنبلاط في الشوف، وفوز كاسح للائحة الحريري في بيروت. والحديث اليوم يستعاد مع مفعول رجعي عن نقاط ارتكاز وضعها غازي كنعان في لائحة الحريري ابرز من فيها النواب ناصر قنديل عن مقعد شيعي، وباسم يموت وعدنان عرقجي عن مقعدين سنيين.
عمر كرامي:
غدًا: أفخاخ المستقبل
*السوري حاكمًا..المعارض محكومًا(1)
*السنية السياسية في ميزان لبنان(2)
في تلك الأثناء شن الرئيس سليم الحص هجومًا على تدخل الأجهزة في الانتخابات، وكانت اصابعه تشير إلى دور ما للواء جميل السيد في هزيمة لائحته. لكن الثابت في تلك الأثناء من زمن الهيمنة السورية ان اللبنانيين كانوا يجزمون بأن المخابرات السورية وراء كل حركة من حركات وسكنات السياسة والأمن في لبنان.
لو صح هذا الافتراض، ينبغي القول ان الرئيس لحود لم يكن سوريًا خالصًا كما تصوره ادبيات المعارضة اللبنانية اليوم. او هو في أسوأ الأحوال يوالي طرفًا محددًا ويتبع احد مراكز القوى في سورية التي تصارعت يومذاك في لبنان وعليه.
على كل حال جاء الرئيس لحود إلى الحكم بعدما سماه الرئيس الراحل حافظ الأسد نيابة عن اللبنانيين جميعًا، وبلّغ رئيس الجمهورية الممدد له يومذاك بقراره، فما كان من الرئيس الهراوي إلا ان اتصل بالعماد اميل لحود من منطقة ضهر البيدر وقبل ان يصل إلى بيروت ليهنئه بالرئاسة. طبعًا كان ذلك قبل ان يلتئم شمل المجلس النيابي في جلسة لانتخابه. لكن الأمور كانت بالغة الوضوح ولم يكن ثمة حاجة لدى الرئيس الهراوي ليختبئ وراء اصبع الشكليات الديموقراطية والإخراج الشكلي.
يوم تعيين الرئيس لحود رئيسًا للبنان صرح بطريرك الموارنة ان الشكل الذي تم فيه اختيار لحود ليس مهمًا ولا ينتقص من اهمية الحدث، ولا يطعن في الديموقراطية اللبنانية. البطريرك الذي كان قد بدأ معارضته للوجود السوري في لبنان كان يجد على الأرجح ان عماد الهيمنة السورية يتلخص يومذاك برئيس الحكومة السني القوي والذي يطغى دوره على رئيس الجمهورية الماروني وبالهيمنة الأمنية البينة التي يمارسها الشيعة بشقيهم الأهلي والأمني.
والحال فإن انتخاب الرئيس لحود القوي والمدعوم قد يوازن بين السلطات. وهذا ما عاد وعبر عنه النائب المعارض فارس سعيد في احدى جلسات البرلمان العاصفة حين اثار موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية المنتزعة منه بموجب دستور الطائف، فما كان من الرئيس الراحل رفيق الحريري إلا ان ألمح إليه بطريقة مواربة مفادها: ومن قال لك ان السنة لا يريدون رئاسة الجمهورية ولو من دون صلاحيات وليأخذ الموارنة رئاسة الحكومة بصلاحياتها كافة؟
لم يستمر هذا السجال طويلًا، وان كان مرشحًا للبروز في يوم من الأيام المقبلة على نحو متسع. ذلك ان دبلوماسيات الطوائف لا ترحم وهي جائرة على الدوام.
اليوم يفصح البطريرك الماروني عن تخوفه من مطلب إقالة رئيس الجمهورية، وهذا ينذر بانشقاق ما في صفوف المعارضة اللبنانية خصوصًا وان النائب والوزير السابق وليد جنبلاط ما زال يطرح مطلب اقالة الرئيس بوصفه ضروريًا وحاسمًا وعلى رأس الأولويات. لكن المتابع بدقة لما يجري في لبنان، يعرف ان مطلب جنبلاط لن يتحول مطلبًا اولًا في العاجل من الأيام. ذلك ان القوى السياسية الوازنة في المعارضة والموالاة لا تولي هذا المطلب اولوية قصوى. والحق ان هذه المنازلة بين المعارض البارز ورئيس الجمهورية تحتاج إلى سياقات متعددة لتتحول عنوانًا لمعركة لبنانية حاسمة.
لا يشك مراقب ان الرئيس اميل لحود هو المعتمد الأول للإدارة السورية في لبنان منذ توليه مهام قيادة الجيش. ولا يزال الرئيس ودوائره يذكّرون اللبنانيين بدور لحود في حماية المقاومة وتاليًا حماية السياسة السورية القاضية باسترهان البلد بأسره لأحكام مقاومة مكلفة. ويثبتون عام 1993 تاريخًا لابتداء هذا الدور في حماية المقاومة. ذلك انه في تموز من ذلك العام شنت اسرائيل حربًا جوية وبحرية على جنوب لبنان، بهدف ضرب بنية حزب الله العسكرية والضغط على اللبنانيين من اجل نزع سلاحه وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب. ويشاع انه في خضم هذه الحرب اجتمع وزير الخارجية الاميركي يومذاك وارن كريستوفر بالرؤساء الثلاثة في زحلة، الياس الهراوي ونبيه بري ورفيق الحريري، وطلب إليهم نشر الجيش في الجنوب ونزع سلاح حزب الله. لكن العماد اميل لحود الذي كان قائدًا للجيش يومذاك، رفض تحريك الجيش وابلغ القيادة السورية بالأمر، التي بدورها فرضت على الرؤساء الثلاثة التراجع عما ازمعوا عليه. ومنذ ذلك الحين شكل الرئيس لحود صمام امان للخطة السورية في لبنان.
وفي العودة إلى ذلك التاريخ يمكن تسجيل ملاحظة اساسية تفيد ان الرؤساء الثلاثة ومعظم زعماء وسياسيي البلد يومذاك كانوا يعتبرون ان الانسحاب الإسرائيلي حتمي بموجب ما تم الاتفاق عليه في الطائف، وان المقاومة في الجنوب لا تفعل سوى تأخير هذا الانسحاب وفرض اجندتها على المجتمع اللبناني بأسره. فبموجب اتفاق الطائف كان يفترض بلبنان ان ينفصل عن ازمة المنطقة عبر تحقيق شرطين: انسحاب اسرائيلي بموجب القرار 425، وانسحاب سوري بموجب اتفاق الطائف. لكن الرئيس حافظ الأسد كان يدرك يومذاك، على الأرجح، ان الانسحاب الاسرائيلي لن يحصل. وان نزع سلاح المقاومة سيكون تخليًا طوعيًا عن ورقة بالغة الأهمية في الضغط على اسرائيل على جبهتي النزاع السورية اولًا واساسًا واللبنانية بوصفها ملحقًا ورديفًا.
انتخب اميل لحود إلى سدة الرئاسة الأولى في البلاد بتأييد واسع وعام. كان المعارضون لسياسات الحريري يرون فيه رجلًا قويًا يمكنه ان يواجه سياساته الخطرة، وكان المعارضون للهيمنة السورية يرون فيه قائدًا للجيش وضابطًا لإيقاعه يمكن ان يخلصهم من الميليشيات المتبقية، وهو حكمًا، اي الجيش، لن يرضى بالخضوع للهيمنة السورية على طول الخط. وثمة احاديث كثيرة دارت في ذلك الزمن عن دور اميركي تاريخي في الجيش اللبناني لم يفقد كافة اواصره. اما الموالون لسورية فلم يسألوا انفسهم عن سبب الرغبة السورية في تسليم الرئاسة إلى ماروني قوي، في وقت كانت فيه الطائفة برمتها موضع تشكيك وتخوين.
لم يكن الرئيس السابق الياس الهراوي معاديًا لسورية، وفي عهده كان الحديث عن تبعيته لسورية وقيادتها لا يجد من يكذبه، لكن الفارق الأساسي بين الرئيسين ان الرئيس الهراوي لم يكن يملك او يحمل مشروعًا مارونيًا ويريد الصراع بواسطته داخل الطائفة نفسها، في حين كان الرئيس لحود يملك مثل هذا المشروع الذي لا يمكن تجاهل وجاهته حتى اليوم. طوال سنوات عهده كان مشروع الرئيس لحود يعمل على خطين متوازيين: الخط الأول يهدف إلى تقوية الجيش والأجهزة الامنية في مواجهة السياسيين التقليديين، وكان الحريري اقواهم شكيمة، وهذا ما عبر عنه في خطاب القسم واضحًا ومن دون اي التباس، وربما يكون خطاب اللواء جميل السيد في مؤتمره الصحافي الأخير آخر تعبيراته الواضحة.
اما الخط الثاني فتمثل في توليد حالة شعبية وسياسية في وسط الطائفة المارونية تحمل افكارًا مغايرة للفكر الماروني السائد. وتمثل هذا الخط خير تمثيل في حزب الكتائب برئاسة كريم بقرادوني.
في الخط الأول كان الرئيس لحود ينطلق من مسلمة مفادها ان السياسة التقليدية في لبنان تشكل سببًا اساسيًا من اسباب خرابه وتعقيد ازماته. ولهذا كان الرئيس يولي مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية عنايته الخاصة. بوصف هذه المؤسسة مؤهلة للتعالي على الصراعات الضيقة والحسابات الصغيرة التي تتحكم في السياسة التقليدية في لبنان. فمؤسسة الجيش بالنسبة للرئيس لحود تشكل دعامة اساسية من دعائم سيادة منطق الدولة على منطق التقاسم والتنازع الذي حكم لبنان على مر التاريخ. اما في الخط الثاني فكان الرئيس لحود يدرك ان القوى السياسية اللبنانية المعارضة لحكمه، المارونية منها خصوصًا، لا يمكن هزيمتها بالأمن وحده، بل تحتاج إلى تشكيلات سياسية رديفة ومناوئة لها.
التعليقات