الدوحة أعادت اختراع نفسها وتصالحت مع الجغرافيا والمستقبل
موزة المسند... quot;القصة الكبيرةquot; في quot;قطر الصغيرةquot;

سلطان القحطاني من الدوحة: على سجادة حمراء نحيلة وضعت خصيصًا لها، مشت سيدة ترتدي عباءتها السوداء بأناقة غير متكلفة نحو إحدى الطاولات، التي بدت مهمة بحكم موقعها المباشر أمام منصة الحفل، دون جلبة ظاهرة لدرجة أن كثيرين في تلك اللحظة لم ينتبهوا إلى أن شخصًا مهمًا قد حضر.

من الممكن ألا يكون هذا المشهد مهمًا لو لم تكن بطلته هي السيدة الأولى في قطر الشيخة موزة بنت ناصر المسند التي يحكم زوجها واحدة من أكبر الدول في مجال الغاز الذي يسيل في خزائن الدولة الطموحة على شكل مليارات من الدولارات ومئات المئات من عقود الإنشاءات الجديدة.

وبتواضع مثير للإعجاب جلست هذه الشيخة، التي تحظى بشعبية جارفة في الأوساط الخليجية، على طاولة لم تختلف عن أي طاولة أخرى في أضخم مؤتمر عن البحر عرفه الخليج العربي يهدف إلى تذكير البلدان الستة التي تطل عليه بموردهم الأول قبيل تفجر آبار النفط لتصبح ينابيعًا لا حدود لها.

وقصة موزة بنت ناصر المسند، الشابة التي خرجت من رحم أسرة كانت ذات أفكار تقدمية منذ هجرتها إلى الكويت ومن ثم عودتها إلى الاستيطان في الدوحة، واحدة من أهم القصص المثيرة للإعجاب في قطر الجديدة التي ولدت بعد انقلاب قام به الأمير الحالي الشيخ حمد آل ثاني عام 1995.

ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن تنشر كبريات الصحف العالمية من فليت ستريت الانجليزي إلى مباني الصحف الأميركية في مانهاتن، قصة جديدة عن نشاط هذه الأمارة الصغيرة التي استطاعت التغلب على عقدة الجغرافيا لتصبح قوة إقليمية مؤثرها في محيطها الخليج والعربي.

وفي منطقة مثل الشرق الأوسط، التي تزنّر الحرائق خاصرتها بمناسبة وغير مناسبة، لعبت قطر دور الإطفائي عدة مرات لم يكن آخرها إتمام المصالحة التي نجحت في لبنان رغم صعوبة الأمر كون أن الدوحة قد تعاملت مع سياسيين متلونين يغيرون جلودهم لا أفكارهم.

ليس هذا الأمر فحسب بل إن العلاقة مع الجارة الكبيرة المملكة العربية السعودية تعيش في ربيع حالي بعد شتاء عاصف دام ست سنوات في إطار رغبة قطر أن تمارس دورًا أكثر حيوية واستقلالاً عن النظم الخليجية المحافظة سياسيًا واجتماعيًا.

وقد بدأت موجة العشق الجديدة بين الرياض والدوحة منذ نحو عام في وقت يواجه فيه الخليج تحد خارجي مقلق هو الطموح النووي الإيراني مما جعل الخليج يعيد رص صفوفه من جديد ويتناسى الخلافات البينية. وبسبب هذه الأزمة النووية الإيرانية فإن قطر عرفت أنها ستكون اللقمة الأولى في أي رد فعل عسكري تقوم به طهران في إطار معركتها مع الغرب كونها تضم على أرضها واحدة من أكبر القواعد الأميركية في الشرق الأوسط.

وكان لافتًا كيف أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قد كسر البروتوكول المعد مسبقًا خلال حفل العشاء الذي أقيم على هامش مؤتمر الحوار العالمي للأديان في نيويورك منتصف الشهر الحالي، كي يجلس إلى جواره رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم على الطاولة ذاتها.

وقبل عشر سنوات من الآن لم تكن الدوحة واردة على أجندة أي صحافي غربي مطلقًا بل إن معرفة موقعها على الخريطة كانت أمراً يصعب على أي رجل أوروبي أو أميركي معرفته دون الاتصال بصديق أو معرفة رأي الجمهور.

غير أنه وفي ظل هذه النشاطات الكبرى تظل شخصية الشيخة موزة إحدى أهم مفاتيح فهم اللغز القطري بل تكاد هي أن تكون القصة الكبيرة في قطر الجديدة. إلا أنه يعاب على الدولة التي قادت الصراع بين الحداثة والتقاليد في الخليج أنها لا تزال متأخرة سياسياً بعدة خطوات لدرجة أن حرم أمير البلاد لا تزال تلقب بالشيخة بدلاً من أن تحمل اللقب ذاته الذي يحمله زوجها على غرار النظم الحاكمة في الغرب.

كانت السيدة الأخيرة التي كسرت هذا التقليد في الخليج هي عفت الثنيان حرم الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز التي كان يسبق أسمها لقب quot;الملكةquot;.

وفي منطقة من الصعوبة فيها تحول السياسيين إلى نجوم، خصوصًا بعد أفول النجم الأخير جمال عبد الناصر، حيث لكل عربي رأيه السلبي الخاص في كل شخصية سياسية، بدت هذه السيدة الأنيقة مثار إعجاب إلى حد الهوس من قبل جيل جديد ينشد التغيير في الخليج العجوز سياسيًا في مجمله.

بيد أنه بعد انقلاب ناجح، لم تكن القوى الإقليمية في المنطقة راضية عنه في البدء كونه جاء مخالفاً للتقاليد الخليجية المتوارثة، جرى رسم مشروع سياسي وتنموي شاب تقاسم فيه أمير البلاد مع زوجته أجندة المهام الخاصة بالمستقبل.

وفعلاً جرت صياغة قطر الجديدة عبر ثنائية quot;حمد ndash; موزةquot; حيث تتولى الشيخة شؤون البيوت والأسر وما يتعلق بما يحتاجونه من التعليم والصحة ومشتقاتها، بينما يتولى الأمير الشيخ حمد آل ثاني شؤون البلاد والدنيا وتحركات البلاد على صعيد السياسة الخارجية.

وتخوض هذه الأيام الشيخة موزة معركة شرسة ضد القنوات الفضائية المتحررة إلى حد وصل فيه الأمر إلى أن ترفع رسالة إلى حكام الدول الخليجية للتدخل في هذه الحملة وهو سيناقشونه في قمتهم المقبلة التي تحتضنها عاصمة عمان المنطوية على نفسها: مسقط.

ونظراً إلى نشاط الشيخة السلمي في مجالات التعليم والتنمية وبعدها عن العمل السياسي المباشر فإنها ضمنت خلو أسمها من قائمة أعداء أي دولة في الخليج أو العالم العربي. وهي منهمكة في صناعة جيل قطري جديد يستحق أن يمثل الرؤية الجديدة للبلاد. وعلى عكس مسئولين آخرين في ماكينة الحكم القطرية لم تصدّر الشيخة نفسها على أنها شخصية مثيرة للجدل مما جعلها بعيدة تمام البعد عن عمليات القصف الإعلامي المتبادل بين الدوحة ومناهضيها طوال السنوات الماضية.

وكان نصيب الأسد من هذا الهجوم الإعلامي قد حاز عليه الشيخ حمد بن جاسم، صاحب الذكاء المثير للإعجاب، الأمر الذي جعله يقول مازحاً خلال جلسة خاصة جمعته مع صحافيين سعوديين، سبق لهم أن قصفوه قصفاً،أن جلده أصبح quot;خشبيًاquot; لا يؤثر فيه النقد.

وحمد بن جاسم واحد من معالم الدولة الجديدة الذي أكتشف الأمير مواهبه وجرأته فتحول من وزير مغمور يتولى وزارة الشؤون البلدية إلى مهندس للسياسة الخارجية في البلاد ومن ثم رئيس للوزراء.

في مؤتمر الدوحة الأخير الذي عقد لإحياء ذكريات البحر والغوص ورحلات البحث عن اللؤلؤ القاتلة، لوحظ أن فتياتٍ شابات يحملن حقائب يد أنيقة، وساعات من أغلى الماركات العالمية، وتبدو وجوههمن ملونة بالأصباغ، قد حضروا لهدف واحد فقط : مصافحة الشيخة أو التقاط صور تذكارية معها أو .. حتى رؤيتها من بعيد، دون أن يظهرن وكأنهن مهتمات بالمؤتمر، وبالتأكيد لن يعني لهم زمان البحث عن اللؤلؤ شيئًا لأنهم لم يعيشوه.

هذا يعني أن هذه الشيخة، التي يتوقع أنها تبلغ من العمر 40 عامًا، قد نجحت في أن يُنظر إليها على أنها نجمة تضيء في سماء أحلام جيل جديد: جيل الهواتف النقالة، والقاعات الجامعية الراقية، والايبود، والكومبيوتر المحمول، والعطلات الباهظة التكاليف وإلى آخره من دلائل الحداثة والعصرية. تقول إحدى الفتيات وهي تتابع سيدة البلاد الأولى لحظة مضيها إلى سيارتها مع مرافقة واحدة لا أكثر بعد انتهاء الحفل المبهر :quot; إنها مستقبلناquot;.