عندما تطبق فاينانشال تايمز مثال: من يعرف لا يتحدث... ومن يتحدث لا يعرف!
قائمة الخمسين: جهل بالدور السعودي أم تجاهل؟
كتب أفشين مولافي: فوجئت، قبل أيام، بقائمة صحيفة quot; فاينانشيال تايمز quot; المتضمنة أسماء خمسين شخصية مرشحة لأن تؤدي الدور الأكثر أهمية في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي. المفاجأة تمثلت في الغياب السعودي التام عن تلك القائمة، فبدت الصحيفة اللندنية الاقتصادية العريقة كمن وقع في فخ المثل القائل: quot;من يعرف لا يتحدث، ومن يتحدث لا يعرفquot;. ها نحن، مجددًا، أمام واحدة من كبريات وسائل الإعلام عندما تخطئ في تقدير الدور البارز الذي تؤديه المملكة العربية السعودية في الاقتصاد العالمي، إذ إضافة إلى ثقلها كدولة منتجة للنفط، يشكل اقتصادها أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، كما انها تعد أكثر الدول شراءً لسندات الخزينة الأميركيّة.
وعلى الرغم من أن قائمة quot;فايننشال تايمزquot; جاءت متنوعة لتشمل شخصيات من فئات مختلفة، من سياسيين، ومحافظي بنوك، ورؤساء شركات، ومستثمرين، ومشرعين واقتصاديين، إلا أنّها لم تتسع إلا لشخصيّة عربيّة واحدة تمثلت في الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني، رئيس الوزراء دولة ورئيس هيئة الاستثمار في قطر. الصحيفة وصفت الشيخ حمد بأنّه quot;محنك وصريح ونافذ في بلد غني بالغاز، ويسخّر مصادره لتخطي الأزمة الاقتصادية العالمية ومرجح له النجاح في مساعيهquot;، ولفتت إلى أنّه مع انخفاض الأسعار، ستتجه هيئة الاستثمار القطرية نحو quot;تصيد الصفقاتquot;.
وقد يصح توقع quot;فايننشال تايمزquot; بالنسبة إلى قطر. وعلى الرغم من أن عقود الغاز بين قطر وآسيا تعزز مكانتها في الاقتصاد العالمي، إلا أنّ ذلك لا يعني بالضرورة أنّ قطر تضاهي السعودية من حيث الثقل الاقتصادي إذ يشكل اقتصاد المملكة ستة أضعاف الاقتصاد القطري. كما أنّ قيمة استثماراتها الأجنبية تفوق الخمسمئة مليار دولار أميركي وتشكل عشرة اضعاف قيمة صندوق الثروة السيادية في قطر. وتمتلك السعودية حوالى ربع الاحتياطي العالمي من النفط، والذي يعتبر المحرك الرئيس لنمو الاقتصاد الكلي. وعلى الرغم من أنّ السعودية لا تتحكم بشكل مطلق في أسعار النفط، إلا أنها تؤدي دورًا أساسيًّا في تسعير هذه السلعة البالغة الأهمية. وتسود بين المتداولين بالنفط نكتة تقول إنّه في حال عطس وزير النفط السعودي علي النعيمي، فإنّ العالم بأسره سينتبه. لذلك، كان لغياب الوزير النعيمي عن قائمة فايننشال تايمز وقع الصدمة.
كذلك، تتعزز مكانة المملكة العربية السعودية كإحدى أبرز الدول المؤثرة في رسم مستقبل الاقتصاد العالمي من خلال شرائها للأوراق المالية من وزارة الخزانة الأميركية. فبعد الصين واليابان، تـأتي السعودية ثالث أكبر الجهات الشارية لسندات الخزانة الأميركيّة. وفي حال قررت الصين او السعودية وقف شراء السندات، قد تتعزز مشاكل أميركا الاقتصادية، الأمر الذي قد ينسحب بنتائج كارثية على الاقتصاد العالمي.
ويعتمد العالم على شراء الصين واليابان والسعودية وبلدان اخرى لسندات الخزانة الأميركية، بالتالي، يبدو من المناسب أن ينضم كلٌّ من رئيس الوزراء الصيني quot;وين جياباوquot; ومحافظ البنك المركزي الياباني quot;ماسكاي شيراكاواquot; لقائمة الفاينانشيال تايمز. أمّا السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المتابع، فهو لماذا استثنت القائمة شخصية مثل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، أو محمد الجاسر، المحافظ الجديد للبنك المركزي السعودي؟ فلا شك أن قرارات الملك عبد الله بخصوص صفقات شراء السعودية للأصول الأجنبية سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي.
إضافة إلى ذلك، يساهم سوق المملكة الداخلية والذي ضم 23 مليون مستهلك في دفع عجلة النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط. وتعتبر المملكة العربية السعودية احدى ابرز الدول المستهلكة الرئيسة في المنطقة، كما تشكل أكبر منتج للصلب والبتروكيماويات والأطعمة الغذائية وغيرها من البضائع الصناعية. ومن بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، برزت المملكة العربية السعودية كأقوى دولة من حيث الميزانية العامّة خلال عام حفل بالكوارث الاقتصادية والاضطرابات المالية.
وتصنف السعودية ايضًا كإحدى ابرز المساهمين في صندوق النقد والبنك الدوليين، الأمر الذي يعطيها امتيازات للتصويت في المؤسستين. وتعد السعودية ايضا مساهمًا رئيسًا في الأمم المتحدة، كما ساهمت المساعدات غير المسبوقة التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز بقيمة خمسمائة مليون دولار لبرنامج الغذاء العالمي في مساعدة الملايين من الأطفال في إفريقيا.
ومن المتوقع أن يشهد شهر نيسان (أبريل) المقبل انعقاد مجموعة العشرين الاقتصادية التي تضم ابرز اقتصاديات العالم الصناعية والناشئة في العاصمة البريطانية لندن. وتنفرد السعودية بين الدول العربية في مناقشة مصير الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يؤكد على أهميتها.
وبعد، يتكرر السؤال، لماذا لم تتضمن قائمة quot;فايننشال تايمزquot; ولو شخصية سعودية واحدة في القائمة التي أعدتها؟ أعتقد أنّ الجواب يكمن في أن هذه النوعية من التصنيفات باتت شائعة في وسائل الإعلام وغالبًا ما تسخر لتكريم شخصيات ذات تأثير جماهيري، وتمتلك ماكينة علاقات عامة ضخمة، بينما تستثني الإشارة إلى من يستحق بجدارة أن يرد اسمه ضمن القائمة.
ولعل المثال الأنسب والذي ينطبق على هذه الحالة هو: quot;من يعرف لا يتحدث، ومن يتحدث لا يعرفquot;. ففي العالم العربي، يخجل السياسيون ورجال الأعمال من الحديث عن الشؤون المالية. أما في السعودية، فتخرج أهم القرارات الاقتصادية عن سياسييها الذين لا يضيعون الوقت في الترويج لأنفسهم بقدر ما يعملون. بالطبع، لا أهميّة للتصنيفات خلال هذه المرحلة، بل الأهم هو اتخاذ الاجراءات العالمية الأنسب لتحسين حال الاقتصاد العالمي. وفي هذا الصدد، تحتل السعودية مكانة بارزة على مائدة صناع القرار، كما ستسفر قراراتها عن تأثيرات تتخطى حدودها الجغرافية.
التعليقات