مما لا شك فيه أن المجتمعات العربية تتكون من شعوب وقبائل وهذا البعد الطائفي يعطل بناء الأمة والديمقراطية، وهو ماتسعى إليه الدول الكبرى حين تتعامل مع الدول العربية على أساس طائفي، وأبرز مثال على ذلك قيام مؤتمر المصالحة بين العشائر العراقية بمباركة أمريكية بهدف للقضاء على أعمال العنف التي تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم، والمثال الآخر هو مايحدث هذه الأيام في لبنان بهدف تحويل الخلاف السياسي الى صراع طائفي سني شيعي ماروني درزي.

لقد أدى التعامل الغربي تحت هذه المسميات الى التدخل في شؤون الدول والشعوب في المنطقة العربية ومن خلال ممثلي الطوائف والعشائر أو من يدعون تمثيلها، ويتضح ذلك جلياً في لبنان الآن لتقف عقبة أمام الديموقراطية وإلى تسهيل إعادة إنتاجها كوحدات سياسية، أما باقي الدول العربية فيتم التعامل معها كطوائف وعشائر ومذاهب تنفي الصفة القومية والإسلامية عنهم، وتنفي بالتالي الصفة السياسية لمجتمعاتهم وتقصره على العشيرة أو المذهب الذي تحول إلى طائفة سياسية، كما تنفي حقهم كقومية إسلامية على الأرض العربية.

ويمكننا القول أن الدول الغربية هي التي تقف حجر عثرة في طريق توجه الدول العربية نحو الديموقراطية وعملية بناء الأمة العربية الإسلامية، وإلى فرد ينتمي إلى مجتمع، ومواطن إلى جماعة سياسية ودولة، وليس هذا بجديد وإنما منذ أيام الإستعمار وبالتحديد منذ معاهدة quot;سايكس بيكوquot; التي قامت في الأساس التاريخي على تفتيت الأساس الجغرافي والتاريخي والديموغرافي الممكن الأمثل لبناء الأمة ألا وهو الوطن العربي الكبير من خلال دولة الخلافة الراشدة وسعت منذ ذلك الحين الى تقسيم جغرافية المنطقة بالمسطرة والقلم من خلال خطوط مستقيمة ثم اعتمدت في بنية الكيانات السياسية الناشئة الى كيانات عضوية قائمة من نوع القبيلة والعشيرة والطائفة مانحة إياها مصادر قوة جديدة عبر الجيش والدولة والوظائف وغيرها.

نحن هنا لا ننكر وجود الشعوب والقبائل حيث يقول الله تعالى quot;وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكمquot;، ولكن مهمة بناء الأمة والديمقراطية لا تتم عبر استنساخها وإعادة إنتاجها كوحدات سياسية، فهذا تفتيت للأمة وإجهاض لعملية بنائها، ولكن وجود التقسيمات الطائفية والعشائرية لا ينفيها بل يؤكد ضرورتها والحاجة إليها، طبقاً للمنهج الرباني السالف الذكر، وهذا هو التحدي أي العمل على تحويل الطوائف والعشائر إلى وحدات سياسية تأخذ مكان أو تجهض النعرات الطائفية الزائفة والتي تنم عن جاهلية والتي عبر عنها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال quot;دعوها فإنها منتنةquot; لأنها تمثل برنامج إعاقة يعمل على تشويه كيان هذه الأمة، وقد يعني تداعي التعددية إلى حروب أهلية وأمم متصارعة وقبائل متناحرة.

إن مايحدث اليوم أشبه بالبارحة ففي لبنان قامت حرب أهلية طائفية إمتدت الى ثلاث عشر عاماً وفي الأردن قامت حرب أهلية في أيلول الأسود عام 1970م، ومايحدث في العراق هو بداية حرب أهلية طائفية مقيتة بسبب الغزو الأمريكي عام 2003م، كل هذا بسبب زرع إسرائيل في قلب العالم العربي وإن كانت إسرائيل قامت ككيان استعماري يرى نفسه كحركة قومية تقوم على إيديولوجيا علمنة شعوب المنطقة وتبعدهم عن الإنتماء الديني وإن كانت تريد لنفسها أن تصبح دولة يهودية خالصة على أساس ديني فما هذا التناقض الذي نراه يحدث في هذه المنطقة من العالم.

ولكي تنجح إسرائيل في مسعاها هذا فقد بدأت تقسم سكان البلاد الأصليين إلى quot;عرب ودروز وبدوquot;، أو تسميهم quot;أبناء الأقلياتquot;، وتدرسهم تاريخهم على هذا النحو، في إسرائيل quot;منهاج تعليم درزيquot; يدرس للدروز فقط، وبدون ذلك ما كان ليدوم فصل العرب الدروز عن بقية العرب في الخدمة العسكرية الإلزامية.

ومنذ العدوان الثلاثي على مصر دخلت إسرائيل بعقليتها الاستعمارية هذه إلى اللعبة الإقليمية كدولة حولت الانتماء الطائفي إلى أمة سياسية تشكل أساسا للكيان السياسي، للدولة، وهذا ما أثار ودغدغ مشاعر بعض الحركات الأصولية في المنطقة ليعزز إنتصارها عام 1967م حجج هذه القوى ضد الأنظمة العربية quot;العلمانيةquot; التي هزمت في حربها مع إسرائيل وكأن إنتصار إسرائيل أصبح إنتصار جير لبعض الحركات الأصولية التي كانت تتأبط شراً بالأنظمة الثورية العربية وتريد ضعفها لتأخذ دورها في الساحة السياسية دون أجندة واضحة لمقاومة الإحتلال.

وإستمرت التحالفات الإسرائيلية كعقيدة مع بعض الدول والحركات السياسية في محاولة لإقامة حزام أمني حول المنطقة العربية، مثل الحركات الكردية وإيران واثيوبيا ضد العرب في زمن شاه إيران وهيلاسيلاسي إمبراطور الحبشة وغيرت من هذه التحالفات حيث وقفت مع اريتيريا ضد أثيوبيا ومع المسيحيين في لبنان ضد الفلسطينيين عندما حدثت مجازر صبرا وشاتيلا ومع الملك حسين ضد ياسر عرفات في أيلول الأسود ومع الأكراد ضد صدام حسين، ولازالت تلعب على توسيع هذه التحالفات على أساس إثارة النزعات القبلية والطائفية في المنطقة العربية لإتمام وتوسيع مفهوم الأقلية الدينية السياسية.

وعندما تغيرت الأنظمة في بعض تلك الدول بدأت تتغير التحالفات كما أسلفنا فعندما جاءت الثورية الإسلامية في إيران أصبحت إيران هي العدو وبدأت إسرائيل تبحث عن تحالفات جديدة من خلال قنوات إتصال مع بعض دول الخليج، وإن كانت ترغب في فتح قنوات إتصال أخرى مع باقي دول الخليج العربي واليمن والعراق فهل ستنجح في ذلك أم ستفشل ؟.

الأمر يعتمد على تقاطع المصالح بين الدول ففي لبنان تريد إسرائيل أن تدعم حكومة السنيورة بمساعدة ومساندة ومباركة دول عربية لتمرير مخططها في المنطقة حتى لاتكون لبنان حاضنة للمقاومة الفلسطينية بل تريد نزع سلاحها، وفي سوريا تريد إسرائيل أن توقع معها إتفاق سلام على غرار ماحدث مع مصر والأردن لمنع تواجد أي قواعد للمقاومة الفلسطينية فيها لتبدأ تلعب على وتر الطائفية هناك فيما بعد وهي الطائفة الدرزية والعلوية والشيعية الجديدة التي بدأت تتشكل في سوريا بعد مقاومة حزب الله لأعتى قوة إقليمية في المنطقة.

إن هناك في إسرائيل من ينظر للتحالفات على أساس طائفي وقد تم تصنيفها على اساس أنظمة ديكتاتورية سنية معتدلة، ضد quot;الديمقراطية الإسلاميةquot; في إيران والتي تريد أن تصدر تجربتها الى كل من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وباقي دول الخليج، والتي سوف تجلب إسلاما سياسيا معاديا لإسرائيل، ولهذا نسمع بين الحين والآخر التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل فالبعض يعتبر المواجهة مع إيران قادمة لا محالة.

ولهذا يجب المسارعة في إستغلال الوقت لتحييد العالم العربي، والأداة البديهية لذلك هي انتزاع الصراع العربي الإسرائيلي كأداة تعبئة من أيدي إيران، وهدمه كجدار واق من حول إيران،وذلك بالتوصل إلى تسوية مع العرب والتعامل بجدية مع مبادرة السلام العربية التي تريد أن تنهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي لعزل الموقف الإيراني المتصاعد في المنطقة.

والسؤال الآن هل ستنجح كل من أمريكا وإسرائيل لدفع سوريا للتخلي عن التحالف الإيراني ؟، في مقابل إعطاءها دوراً إقليمياً وإنسحاب مشروط من هضبة الجولان بحيث توقع على تخليها نهائياً عن دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية مقابل تسوية غير عادلة تمرر المخطط المذكور أعلاه ؟.

في الحرب السادسة على لبنان كان سقف المطالب الإسرائيلية هو القضاء على حزب الله بالوسائل العسكرية ولما إتضح أن ذلك غير ممكن بدأت سقف المطالب تقل وأصبح الهدف هو أن يضعف حزب الله بحيث لايبقى دولة داخل دولة وبعد أن إتضح أن هذا السقف غير ممكن بدأت تعمل إسرائيل من خلال حلفائها لتقوية حكومة السنيورة لتقف في وجه حزب الله ولهذا يمكن القول أن تحقيق هذا المطلب هو مصلحة إسرائيلية قبل أن تكون مصلحة عربية.

وهنا نجد أن إسرائيل مازالت تلعب في الساحة العربية واللبنانية لتأخذ بالسلم مالم تأخذه بالحرب فهي تريد لبنان أن يتخلى عن المقاومة وتريد من سوريا أن تتخلى عن المقاومة وتريد من حماس أن تتخلى عن المقاومة وهي بهذا تريد أن تمحو كلمة quot;مقاومةquot; من قاموس الصراع العربي الإسرائيلي لتبدأ تلعب على وتر الطائفية التي تفجر الحروب الأهلية لتكون إسرائيل هي الرابح الوحيد في تلك المنطقة.

ولهذا ليس مستغرباً من وجود قلق إسرائيلي من هذا التحرك الشعبي السلمي في لبنان وصرحت علنا بأنها ترغب في مساعدة حكومة السنيورة ولو بالمساعدة في الإنسحاب من مزارع شبعا وقرية الغجر لأنها تضمن العودة إليها فيما بعد في ظل حكومة لبنانية ضعيفة لايكون لحزب الله القول الفصل فيها لأن هذا الحزب أثبت أنه قوة لايستهان بها في المنطقة كمقاومة شعبية تعمل على زعزعة هيبة إسرائيل في المنطقة وهي حركة المقاومة الوحيدة التي كانت قادرة على ضرب إسرائيل في العمق من خلال الصواريخ القديمة المتهالكة فما بالك حين تحصل على صواريخ جديدة متطورة وبنفس مستوى الأداء النضالي والقتالي والبطولي لمقاتلي لحزب الله.

هذا الحزب الذي تخلى عنه العرب في وقت الحرب قد خرج أقوى مما كان عليه قبل الحرب ولهذا فهو يطالب بحقه الشرعي لتغيير الدستور وتغيير القانون الإنتخابي طبقاً للقاعدة الشعبية التي يتمتع بها لأنه أثبت عملياً منذ العام 1948م أنه القادر الوحيد على الدخول في حرب مع إسرائيل ومقاومتها بشجاعة وبسالة قيل عنها إنها مغامرة غير محسوبة وإتضح أنها مغامرة محسوبة حتى لوشنت إسرائيل حربها القادمة في الصيف القادم كما عبر عنها أولمرت بالجولة الثانية الآتية التي لاريب فيها.

ولهذا نختم مقالنا بالقول لماذا لايتخلى العرب عن الطائفية ؟ طالما أنها تخدم مصلحة العدو الإسرائيلي وتعمل على تفتيت كيان الأمة !.

مصطفى الغريب

شيكاغو