جارنا الطيب
الذي يزحف على عصاته إلى المسجد كل يوم خمس مرات
الذي يهتم بتغيير الماء للحمَام والقطط
الذي يخلّف عطراً مميزا في كل يد تصافحه، وفي أرواحنا كذلك
توفي اليوم؛
شاهدتُ ذلك جليًّا في بقايا خطواته نحو المسجد،
وفي تلفّت المصلين.

**
امرأة مسنّة تعبر حينا كل يوم
مباشرة بعد صلاة العصر،
لا يعرف أحدٌ متى تعود
كما لم يسألها أحدٌ قط إن كانت بحاجة إلى مساعدة،
وبشكل يومي، وبعد أن تختفي،&
ينسى الجميعُ أن عجوزاً مرّت من هنا.

**
المتقاعدون في حينا لا يتحدثون في شؤون السياسة
ولا في كرة القدم
يجلس بَعْضُهُمْ تحت سُور المسجد بعد صلاة الفجر
يلاحظون المارّة
يلقون ببعض ملاحظاتٍ عميقة وموجزة حول الطقس والتعليم وتربية آباء الجيل الجديد لأطفالهم،
جميعهم، بلا استثناء، ينتظرون شروق الشمس لينصرفوا إلى منازلهم
ثم يعودون في الظهيرة.

**
ابتسامة محمد نجيب لا يمكن وصفها.
كم نحن ممتنون في حيّنا للقائمين على شركة النظافة الذين لم يهتدوا بعد إلى الأثر الإيجابي لتغيير أماكن عمل هؤلاء البسطاء.
محمد نجيب ليس بسيطا فحسب
بل إن لديه وجهاً مشرقاً
وابتسامةً ساحرة.

**
يضحك عامل البقالة كثيراً لأن طريق الأطفال التي سيسلكونها معروفة سلفاً
البدء بثلاجة الآيسكريم
ثم زاوية الشيبس
قبل أن يشيروا بأصابعهم الغضة نحو البالونات المعلقة خلفه.
طفلة واحدةً فقط، وكانت تبكي، خرجت اليوم من البقالة دون بالون
كان والدها عسكريا صلفا
حتى إنه لم ينتبه لابتسامة محمد نجيب
ولا حتى لخطوات جارنا الطيب التي لم تزل عالقة في الصلوات.

**
يحرس الله حيّنا
إذ لم نشاهد، منذ سنوات، في أزقته جثة مجهولة
ولا سكيّرا يستلقي على الرصيف
ولا سيدة وحيدةً تتعثر في أفكارها الخاطئة،
يحرس الله حيّنا
ذلك أننا لا نتحدث في الشأن السياسي
ولا حتى في أمور كرة القدم.

&