في اعتقادي إنّه لابد أن يكون لكلّ شاعر ما يميز نصوصه عن نصوص الآخرين إلى الحدّ الذي يمكن ان نقوم به برفع أسم الشاعر من نصه ولكنه يبقى دالاَ وبقوة على أسم منتجه ،&
ولذلك فأني أجد سمة شعرية يتميز بها شعر أمير ناصر بعامة وشعره في ديوانه الموسوم بـ(حروف أسمك) بخاصة وهي الربط بين الصورة البصرية والصورة الشعرية ، والذي تُظهر لنا صورة الشاعر (ساكنة أو متلاشية )&
ففي الحالة الأولى تكون صورته ساكنة بينما يعطي الحركة لمن حوله من الموجودات ويتعدى ذلك إلى إضفاء الحركة على طيف الحبية أيضاّ فيقول مثلاً :&
"كلما قلتُ أنا خيمتك توخزينها بالدبابيس"
فـ(الخيمة ساكنة) وحتى إذا أرادت أن تتحرك فلابد من فعل مسلط عليها كي يمكنها الانتقال أو التحرك ووحدها المعشوقة هي التي تقوم بالحركة ( الوخز ) ،&
ويقول : " كلما أصمت مثل شجرة ميتة تنسلين جواري مثل نهر يافع "&
فالشاعر هنا يؤكد لنا خلوه من الحركة وسكونه التام بأن يصف نفسه بالشجرة / ثابتة ساكنة،&
ويدعم هذا السكون بأن يسلب الحياة من هذه الشجرة ويقلص عليها فرصة زحف جذورها في الأرض أو مدّ أغصانها في الهواء كونها ببساطة ميّته ،
&بالمقابل أضفى الحيوية والنشاط على طيف الحبيبة المنشودة هنا فهي تنّسل (فعل)، كنهر (حركة أمواج ) ويافع (صفة للنشاط والحيوية ) ،&
ويقول أيضاً : " كلما قلتُ أنا جسركِ يلطمني وقع أقدام "
الجسر (ثابت ) واللطم حركة مكررة للأقدام المارة عليه، فبالرغم من أنّه يُنصّب نفسه جسراً لشخص واحد هو المحبوبة ، إلا إنّه يبدو مباحاً لأقدام المارين عليه والتي لا تفتأ أن تقوم بلطمه في كلّ مرة تريد أن تعبر إلى الضفة أخرى ،&
ثم يتوج وحدته بالسكون التام حين يقول : " ما أوحدني معك وبدونك تماماً مثل حقيبة سفر كبيرة مركونة أسفل أريكة لسفر لم يحن بعد "&
فهو كما يبدو لنا أشبه بحقيبة سفر كبيرة ، وحقيبة السفر الكبيرة تكون من صفاتها الثقل وصعوبة الحمل وهو أيضاً هنا غير مبال بها لأن فعل السفر لم يحن بعد فهي مركونة أسفل الأريكة ،
وحتى لو أضاف الشاعر لنفسه حركة ، فتكون هذه الحركة أما مقيدة أو بطيئة جداً
فهو مثلاً يقول في قصيدة نسيتُ :&
&" نسيت أن أقول أن أنفكِ جميل ، وأنتِ تمسكين حقيبة صغيرة ، بينما أقف أنا مثل طفل يحمل سمكة زينة في أناء"&
فصورة المحبوبة وأن كانت واقفة إلا إنها تحمل حقيبة يدّ فمعنى ذلك أن الحركة متوقعة منها فالمرأة إذا كانت تمسك بحقيبتها فهي عادة تكون متهيئة للحركة (المغادرة أو الدخول) إلى مكان ما ،&
بينما يقف الشاعر متصلباً أمامها لأنه يصوّر نفسه وكأنّه طفل يمسك إناء سمك زينة فهو لا يستطيع أن يتحرك حركة طبيعية لأنه يخشى أن يسقط ذلك الآناء ويتحطم فيخسر سمكته ،
أو " مثل زهرة عباد أدور حولك وأدور "&
فهو هنا وان كان يدور حول حبيبته إلا أن حركته تلك بطيئة جداً تكاد لا ترى لأنها حركة لزهرة عباد الشمس ،&
وحين يقول : " هذه ضحكتك أحكم عليها قبضتي كما لو شحاذ ضمن عشاء ليلة باردة"&
فيبدو الشحاذ هنا قليل الحركة لأنه يقبض على صحن عشاء بكلتا يديه والذي جاء كعامل مساعد لتقليل حركته هو البرد الذي وصف الشاعر به ليلة هذا الشحاذ ،
والشاعر أيضاً لا يكتب اناه إلا فارغة من أيما حيوية " أنا منكفئ" ،"أنا ممدد كجسر" ،" قريباً سيتوهمني المارة غراباً على أغصان شائكة "&
و" أسند خدي على شاهدة قبرك"&
وهو لايضفي الحركة على حبيبته فقط بل إلى أغلب شخصيات نصوصه الشعرية ،&
فبينما تبدو أخته ضاجة بالحيوية في قصيدة (لا أحد يهتم لأمري ) تجلس " على أرجوحتها ، تأكل كعكها المملح " وهنا تنسب لها أكثر من حركة ، حركة الأرجوحة المعتادة ذهاباً وإيابا وهي حركة كلية لها وللجسد المتأرجح الجالس عليها،&
&وحركة الأكل الحركة الجزئية للأخت التي تستعمل بها يدها وفمها ،&
بينما الشاعر يكون هنا " منغمساً في حيرته "&
والأمر نفسه يتكرر عندما يصف الشاعر نفسه بغياب حبيبته فهو أما خالٍ من الحركة أو فاقد لفعل الحركة تماماً يقول :&
&" أما غابة موحشة&
أو عود ثقاب ممد في علبة،
تلك هي وظائفي في غيابك "&
والأمر نفسه نراه حين نبحث عن معنى الرجولة عند أمير ناصر في هذه المجموعة فنراها لا تخلو من كونها ذوبان وتلاشي أو استلاب لمعنى الحركة ،&
يقول في قصيدة ( وصايا الأب ) :
&" أنت لستَ رجلاً مالم تتلض مثل قطعة زبد في مقلاة " (ذوبان وتلاشي)&
أو ،
&" مالم تقف متخشباً مثل نورس مات من عطش وظل طريقه للمياه"( استلاب حركة) ،
لكن الشاعر أحياناً يخدعنا بتصوير نفسه عكس ذلك فيبدو ذا حركة معينة لكننا إذا ما دققّنا حول نهاية تلك الحركة وجدناها مقطوعة والأمثلة على ذلك عديدة ففي قصيدة مهاتفة يقول :&
" قالت أريد أن انام ، ضع يدك هنا&
أين هنا ؟&
ألم تقل أنك زورقي وأنا ماؤك ؟
أجل قلتها&
ضعها على همزتي ، سأفعل ..........
........ألو ................."&
فلانقطاع هنا لا مبرر له ، الحبيبة تهاتف الشاعر وتطلب منه شيئاً من الحنان مذكرةً إياه بوعوده وكلامه السابق ، ولكن لم يأتِ فعل تلبيته لنداء الحبيبة كاملاً لأن المحادثة تنقطع وتبقى كلمة (ألو ) عالقة في الأثير ،&
وفي قصيدة (فروغ) فالشاعر وإن حمل حبيبته بين ذراعيه وطاف بها الأمكنة إلا انه مايلبث أن يتوقف يقول :&
&" مثل سمكة غافية أعيدك لعشكِ ، لقبركِ"&
وتهدأ رغبته بها وتفتر : " تركد رغبتي ، أغمض عيني عن أشراقة عينيكِ"&
من هنا يبدو لنا ان غياب الحبيبة يجعل الشاعر وحيداً منكفئا على ذاته غير مبال بما يدور من حوله من أحداث ، ولا تتعدى حدود حركته سوى الحلم بالحبيبة وتدوين الآهات على شكل قصائد !

&