رغم تطمينات أميركية، لا تزال غالبية المصارف الأوروبية تخاف التورط في انتهاكات للعقوبات سارية المفعول بعد على طهران إن هي تعاملت مع مصارف إيرانية. ورد محافظ المصرف المركزي الإيراني بأن سبب خوف الأوروبيين هذا جهلهم حقيقة الأمور.

إيلاف من الرياض: حين توصلت إيران إلى اتفاق مع الغرب في شأن ملفها النووي، مع زوال القيود المصرفية، التي كانت مفروضة على طهران، ظنّ الإيرانيون أن الشركات العالمية من كل أنحاء العالم ستتقاطر إلى إعادة علاقاتها التجارية معهم.&

إلا أن طهران لم تستطع إقامة روابط تجارية إلا مع عدد محدود من البنوك الصغيرة، لأن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها لا تزال سارية، وتخشى المؤسسات الأجنبية الكبرى من التعرّض لغرامات لا تريدها.

تبديد المخاوف
في هذا السياق، قال ليام فوكس، وزير التجارة البريطاني، إن التبادل التجاري بين بريطانيا وإيران يتزايد، وإن حكومته تعمل على تبديد مخاوف القطاع المصرفي، التي تعرقل اتساع نطاق التجارة بين البلدين، وذلك في مؤتمر عالمي للتمويل.&

أضاف: "ببطء، لكن بحماسة متزايدة، بدأت الشركات البريطانية العمل مع إيران مجددًا، ونحن نرى المؤشرات الأولى إلى نمو التبادل التجاري بين بريطانيا وإيران".

وأوضح فوكس قائلًا إن استمرار مخاوف القطاع المصرفي من تسهيل السداد، أو تقديم خدمات مالية، يعني أن الاستفادة من رفع العقوبات لم تتحقق بالكامل بعد، وحل هذه المشكلات ما زال أولوية لدى الحكومة.

وبحسب فوكس، تتعاون الحكومة مع القطاع المصرفي لإيجاد قناة مالية لحل أزمة المدفوعات الإيرانية، "وبريطانيا في وضع ملائم للمساعدة على تحديث البنوك الإيرانية الخاصة".&

أضاف أن الحكومة البريطانية تضع في رأس أولوياتها الفرص المتاحة للمصدرين في قطاعات التجزئة، والرعاية الصحية، والصناعات التحويلية المتقدمة، والتعدين، والمطارات، والطيران، وأنها سترسل وفدًا من قطاع التعدين إلى طهران في ديسمبر المقبل.

استدرك فوكس قائلًا: "على الرغم من ذلك، ما زال الاستثمار في إيران محفوفًا بالتحديات، فالمصارف الإيرانية تحتاج تلبية المعايير المصرفية العالمية، وتحفيز الإصلاح، إذا أرادت جني ثمار ما بعد رفع العقوبات، وعلى الشركات البريطانية التي تسعى إلى التجارة أو الاستثمار في إيران، أن تكون على دراية بالعقوبات السارية بعد، وبالقواعد التجارية وقيود التصدير، وأن تحرص على أن تكون كل الأنشطة التجارية صحيحة تمامًا".

الكل خائف
إن إحجام المصارف الأوروبية عن التعامل مع البنوك الإيرانية يعني إحجامها عن تمويل الصفقات، وهذه هي العقبة الكبرى أمام الشركات الأوروبية التي تسعى إلى ممارسة نشاط تجاري مع إيران. فالكل خائف من العقوبات الأميركية.

واتخذت الولايات المتحدة خطوات لطمأنة البنوك. ففي سبتمبر الماضي، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة في الولايات المتحدة توجيهًا جديدًا لتهدئة المخاوف من إجراء معاملات بالدولار مع إيران.&

إضافة إلى مسألة العقوبات، فإن الحالة السيئة للبنوك الإيرانية بعد عشر سنوات من ابتعادها عن النظام المالي الدولي، ودور الحكومة القوي في الاقتصاد، ونقص الشفافية في ما يتعلق بالنظام القانوني، عوامل تشكل عقبات أمام المستثمرين الأجانب.

وقال فريدولين ستارك، رئيس الأسواق الدولية في اتحاد الصناعات الألمانية: "يعلم الجميع الآن أن بناء روابطنا الاقتصادية مع إيران سيكون تدريجيًا". ويفضل الأوروبيون وصول هيلاري كلينتون إلى سدة الرئاسة الأميركية، لأن وصول منافسها دونالد ترامب يعني انهيارًا ممكنًا للاتفاق مع إيران، والعودة إلى نقطة الصفر.

وظهرت أخيرًا علامات على تحرك ما، إذ بدأت بنوك ألمانية أصغر حجمًا، وتحت ضغط من عملائها لدعمهم في إيران، في تقديم تمويلات محدودة وخدمات للدفع.

وقال سيغفريد إتزيج، القائم بأعمال رئيس السياسة الاقتصادية والشؤون الدولية في اتحاد البنوك الألمانية: "البنوك متوسطة الحجم التي تموّل المشروعات الألمانية الصغيرة والمتوسطة مهتمة بشكل كبير بالعمل في إيران، وتستعد لذلك بصورة مكثفة". وفي يونيو الماضي، بدأت الحكومة الألمانية منح ضمانات ائتمان للصادرات من خلال مجموعة إيولر هيرميس للتأمين للشركات التي تريد التجارة مع إيران.

تجهلون الحقيقة
وفي تعليق على هذه المخاوف، قال ولي الله سيف، محافظ البنك المركزي الإيراني، خلال لقائه رئيس البرلمان القبرصي الثلاثاء، إن السبب الرئيس لعزوف البنوك الأوروبية عن إعادة بناء روابطها مع ايران هو جهلها الحقائق، مؤكدًا أنه لا عائق يحول دون تطوير الروابط المصرفية بين البلدين.&أضاف أن الاتفاق النووي ووثائق وبيانات وزارة الخزانة الأميركية أوضحت بشفافية المجالات المسموح بها للتعاون مع إيران.

وقال سيف: "منذ تنفيذ الاتفاق النووي في يناير الماضي، توافرت أرضية تنمية التعاون الاقتصادي، لكن البنوك الدولية، وبسبب خشيتها من الغرامات الأميركية، لم تقدم على إقامة روابط مع إيران، وأظهرت هواجس في شأن إعادة بناء الروابط المصرفية والاقتصادية".&

ولفت إلى أن البنك المركزي الإيراني أجرى مفاوضات في فبراير ومارس الماضيين مع البنوك الأوروبية لتبديد نقاط الغموض، "وبدأت حاليًا بنوك أوروبية مختلفة، مثل البنوك المركزية في إيطاليا والنمسا وهولندا، إلى جانب البنوك المركزية في الهند والصين وكوريا وتركيا في آسيا، بإقامة روابط مع إيران، ولا يوجد أي عائق أمام تطوير الروابط المصرفية والاقتصادية مع إيران".

أضاف سيف: "في إمكان البنوك الدولية تقديم طلبات لتأسيس فروع أو مكاتب تمثيل في إيران، بعد دراستها من قبل البنك المركزي، وفي إمكانها امتلاك حصة 40 في المئة من الأسهم داخل إيران، و100 في المئة في المناطق التجارية والصناعية الحرة، وبهذه الوسيلة يمكنها الاستثمار في الصناعة المصرفية في إيران".